النهار

١٢:٠٥ ص-١٨ سبتمبر-٢٠٢٥

الكاتب : النهار
التاريخ: ١٢:٠٥ ص-١٨ سبتمبر-٢٠٢٥       34650

بقلم/ تركي عبدالرحمن البلادي

تعيش المنطقة اليوم مرحلة دقيقة تتطلب مواقف واضحة وارادة صلبة في مواجهة التحديات الامنية والسياسية والاقتصادية. والسعودية اثبتت خلال العقود الماضية انها دولة عظمى في قدرتها على قيادة المواقف الحاسمة وحماية مصالحها ومصالح حلفائها. فهي لا تعتمد فقط على قوتها الذاتية بل تبني شبكة تحالفات استراتيجية مع قوى اقليمية ودولية تعزز موقفها وتضاعف قدرتها على ردع الاعداء.

المملكة العربية السعودية تمتلك عمق تاريخي وسياسي يجعلها ركيزة اساسية في استقرار المنطقة. فهي قبلة المسلمين ومركز الثقل العربي والاسلامي. هذا العمق يمنحها قوة معنوية فريدة لا تملكها اي دولة اخرى. ومع القوة الاقتصادية الهائلة التي تمثلها السعودية بفضل موقعها كاكبر مصدر للنفط عالميا ورؤيتها الاقتصادية الطموحة 2030 اصبحت المملكة قوة عظمى في المعادلة الدولية.

على الصعيد العسكري عملت السعودية على بناء جيش حديث مجهز باحدث الاسلحة والتقنيات. هذا الجيش اثبت قدرته في حماية الحدود والتصدي لكل محاولات المساس بامن المملكة. كما ان السعودية طورت صناعات عسكرية محلية تساهم في تعزيز استقلالية قرارها الاستراتيجي. ومع الانفاق الدفاعي الكبير اصبحت المملكة في مقدمة الدول الاكثر استعدادا لمواجهة التحديات الامنية.

لكن سر القوة السعودية لا يكمن فقط في قدراتها الذاتية بل في قدرتها على بناء تحالفات متينة. فهي تقود التحالف العربي في اليمن دفاعا عن الشرعية وتصديا للمليشيات المدعومة من قوى خارجية. كما انها ترتبط بشراكات عسكرية واستراتيجية مع باكستان وتركيا ومصر والولايات المتحدة ودول اوروبا. هذه التحالفات تجعل من السعودية لاعب محوري قادر على توحيد الصفوف لمواجهة اي تهديد.

دور السعودية في ردع الاعداء لا يقتصر على البعد العسكري فقط. فهي تستخدم قوتها السياسية والاقتصادية في الضغط على كل من يحاول زعزعة استقرار المنطقة. فعلى سبيل المثال استطاعت المملكة ان تفرض رؤيتها في اسواق الطاقة العالمية وتثبت انها عنصر اساسي لا يمكن تجاوزه في المعادلات الاقتصادية. كما ان سياستها الخارجية المتوازنة جعلتها محل احترام القوى الكبرى التي تدرك ان التعاون مع الرياض ضرورة وليست خيارا.

المتابع للمواقف السعودية يلحظ الحكمة في استخدام القوة. فالمملكة لا تبحث عن صراعات عبثية بل عن استقرار طويل الامد. لذلك نجدها في اغلب الازمات تسعى للحلول الدبلوماسية لكنها في الوقت نفسه ترسل رسالة واضحة ان امنها وامن حلفائها خط احمر لا يمكن تجاوزه. هذه المعادلة بين الحكمة والقوة جعلت من السعودية دولة مهابة الجانب.

حلفاء السعودية ايضا يدركون اهمية هذا الدور. فباكستان على سبيل المثال تنظر الى المملكة باعتبارها شريك استراتيجي لا غنى عنه. ومصر ترى في التحالف مع الرياض ضمانة لامن البحر الاحمر والمنطقة العربية. كما ان التعاون مع الولايات المتحدة والغرب يقوم على المصالح المشتركة في مكافحة الارهاب وحماية خطوط التجارة العالمية. هذه الشراكات لا تزيد السعودية قوة فقط بل تجعل اي طرف معاد يفكر الف مرة قبل الاقدام على اي خطوة عدائية.

ردع الاعداء في الفكر الاستراتيجي لا يعني فقط امتلاك السلاح بل القدرة على منع العدو من التفكير في الهجوم اساسا. وهذا ما نجحت فيه السعودية. فهي بثقلها الاقتصادي والسياسي والعسكري خلقت توازن ردع يجعل الخصوم يترددون دائما. ومهما حاولت بعض القوى الاقليمية او المليشيات العابرة للحدود تهديد امن المملكة فانها سرعان ما تصطدم بجدار صلب من القوة والتحالفات.

المستقبل ايضا يعد بمزيد من الصلابة. فرؤية 2030 لا تركز فقط على التنمية الاقتصادية بل على تعزيز مكانة السعودية عالميا كقوة سلام وردع في آن واحد. ومع انفتاحها على العالم واستثمارها في التقنيات الحديثة والطاقة المتجددة فانها تبرهن انها لا تفكر فقط في الحاضر بل تبني استراتيجية طويلة الامد تضمن استمرار دورها القيادي.

باختصار السعودية اليوم ليست مجرد دولة اقليمية بل قوة عظمى. قوتها تنبع من ارثها التاريخي ومكانتها الاسلامية وقدراتها الاقتصادية والعسكرية وتحالفاتها الاستراتيجية. ومع حلفائها تشكل درعا منيعا في وجه الاعداء ورسالة واضحة لكل من يحاول العبث باستقرار المنطقة. السعودية اثبتت انها قادرة على الجمع بين الحكمة والقوة وانها قادرة على ردع كل من يفكر في تهديدها او تهديد حلفائها.