النهار

٠٥:٥٢ م-٢٩ سبتمبر-٢٠٢٥

الكاتب : النهار
التاريخ: ٠٥:٥٢ م-٢٩ سبتمبر-٢٠٢٥       4180

بقلم - نانسي اللقيس 

جاء الاتفاق الاستراتيجي للدفاع المتبادل بين المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية، الذي وُقِّع في السابع عشر من سبتمبر 2025 في الرياض، ليشكّل محطة مفصلية في مسار العلاقات الثنائية، وليُرسّخ موقع البلدين كقوتين مركزيتين في العالمين العربي والإسلامي. 

هذا الاتفاق، الذي نصّ على أن أي اعتداء على أحد الطرفين يُعد اعتداءً على الطرف الآخر، يتجاوز حدود التعاون التقليدي، ليؤسس لمعادلة ردع شاملة، ويرسل رسالة واضحة إلى كل الأطراف بأن الرياض وإسلام آباد قررتا الانتقال من التعاون الرمزي إلى الالتزام الاستراتيجي المتين.

منذ عقود، شكّلت العلاقة "السعودية - الباكستانية" نموذجاً فريداً من الشراكة القائمة على الأخوة الإسلامية والمصالح المشتركة، لكن توقيع اتفاق الدفاع المتبادل يرفع هذه العلاقة إلى مستوى غير مسبوق، فهو يربط القدرات الاقتصادية والطاقوية الهائلة للمملكة، بالمكانة النووية والعسكرية التي تتمتع بها باكستان، بما يحوّل التفاهم إلى ركيزة استراتيجية تعزّز استقرار المنطقة وتحصّن أمنها. 

هذا التلاقي التاريخي يفتح الباب أمام تعاون متقدم لا يقتصر على الجانب الدفاعي، بل يمتد إلى مجالات الاستثمار، التصنيع العسكري، الأمن الغذائي، والتكنولوجيا، في انسجام تام مع رؤية السعودية 2030، ومع ما تملكه باكستان من طاقات بشرية وعلمية ضخمة.

الأهمية الاستثنائية لهذا الاتفاق لا تكمن فقط في مضامينه الدفاعية، بل أيضاً في رسائله السياسية والجيوسياسية، فهو يكرّس استقلالية القرارين السعودي والباكستاني، ويؤكد أن دول الجنوب العالمي قادرة على بناء تحالفات متينة خارج الاصطفافات التقليدية. 

كما يعيد للعالم الإسلامي ثقله في معادلات القوة الدولية، ويمنح المنطقة فرصة لتجاوز الانقسامات التي أعاقت نهضتها لعقود طويلة، إن امتلاك السعودية للثقل الروحي والاقتصادي، واقترانه بالقدرات الدفاعية الباكستانية، يضع الطرفين في موقع يتيح لهما صياغة معادلات جديدة للأمن الإقليمي.

لقد قوبل هذا الاتفاق بترحيب واسع من المحللين والخبراء الدوليين، الذين وصفوه بالـ"تحول التاريخي" في علاقات البلدين، وفي الواقع، لا يبالغ هذا الوصف في تقدير دلالاته؛ فالانتقال من شراكة صديقة إلى تحالف دفاعي متكامل يضع السعودية وباكستان في موقع المبادرة، ويعطيهما وزناً مضاعفاً في التوازنات الجارية على مستوى الإقليم والعالم.

بهذا الاتفاق، لا تُبنى فقط شراكة دفاعية، بل يُصاغ مشروع استراتيجي بعيد المدى يعزز الاستقرار ويؤسس لنهضة جديدة في العالم الإسلامي، إنه إعلان إرادة سياسية صلبة، بأن "الرياض، وإسلام آباد" ليستا مجرد دولتين متجاورتين في المصالح، بل شريكان مصيريان قررا أن يكتبا معاً فصلاً جديداً من التاريخ يقوم على القوة، الاستقلالية، والتكامل.