
النهار السعودية
بقلم - حذامي محجوب
في خطوة مثيرة للجدل، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الخميس 25 سبتمبر مرسوما يقضي بوضع تطبيق " تيك توك " تحت المظلة الأميركية ، بعد أشهر من الشدّ والجذب حول ملكيته الصينية.
غير أنّ الصفقة، التي تخص أكثر من 170 مليون مستخدم داخل الولايات المتحدة ، ما تزال محاطة بالكثير من الغموض ، سواء على مستوى تركيبة المساهمين أو القيمة المالية أو مصير الخوارزمية التي تُعدّ العمود الفقري للمنصة.
فالشركة الأم " بايت دانس " ستحتفظ بنسبة لا تتجاوز 20 % من الكيان الجديد، بينما ستتولى شركة " أوراكل " إدارة بيانات المستخدمين .
إلى جانبها، يدخل مستثمرون آخرون مثل " سيلفر ليك " وصندوق أبوظبي
MGX ليستحوذوا مجتمعين على نحو 45% من الأسهم ، فيما بقيت هوية باقي المساهمين غير مؤكدة ، رغم أن ترامب ألمح إلى أسماء مثل روبرت مردوخ ومايكل ديل من دون أي تأكيد رسمي .
أما على الصعيد المالي، فقد أثارت تصريحات نائب الرئيس الأميركي جي. دي. فانس جدلا واسعا بعد إعلانه أن قيمة الصفقة بلغت 14 مليار دولار فقط ، وهو رقم بدا متواضعا جدا مقارنة بتقديرات سابقة تراوحت بين 30 و60 مليار دولار، بينما تقدر قيمة " بايت دانس " الأم بـ300 مليار دولار. المستثمر أشوين بينواني وصف هذا الرقم بأنه " أضعف تقييم لصفقة تكنولوجية في العقد الحالي " ، مؤكدا أن قيمة " تيك توك الفعلية لا تقل عن ثلاثة أضعاف هذا المبلغ. ويرى مراقبون أن الانخفاض الحاد يعكس هشاشة التطبيق إذا ما جرى تفكيكه ، إضافة إلى أن بنية الصفقة تمنح " بايت دانس " حق الاستمرار في تحصيل 20% من الإيرادات الأميركية عبر اتفاق ترخيص ، ما يدر عليها نحو 4 مليارات دولار من أصل 20 مليار دولار وفق تقديرات بلومبرغ .
لكن أكثر النقاط حساسية تتعلق بالخوارزمية . فقد نصّ المرسوم الرئاسي على أن " أوراكل " ستشرف على البيانات والخوارزميات ، مع إلزام بإعادة تدريب النماذج القائمة على بيانات المستخدمين الأميركيين . غير أن خبراء تقنية شككوا في إمكانية ذلك، إذ أوضح آدم بريسير، رئيس العمليات والأمن في تيك توك ، أن الشيفرة المصدرية للتطبيق تضم مليارات الأسطر التي طورها آلاف المهندسين على مدى سنوات ، ما يجعل استيعابها أو صيانتها من قبل فريق جديد مهمة شبه مستحيلة من دون أدوات برمجية تحتكرها " بايت دانس " وتمنع القوانين الأميركية الوصول إليها.
وفي السياق نفسه، حذر جيم سيكريتو، المسؤول السابق في وزارة الخزانة الأميركية ، من أن عملية الانتقال قد تستغرق سنوات، مشككا في امتلاك " أوراكل " للقدرات البشرية والتقنية اللازمة، مضيفا بلهجة ساخرة: " قد نشهد نسخة أميركية بطابع ماكدونالدز، فيما يظل قلب التكنولوجيا في بكين " .
سياسيا وقانونيا ، لم تهدأ العاصفة. فقد طالب النائب الجمهوري جون مولينار من ميشيغان بإحاطة عاجلة من إدارة ترامب، مؤكدا أن القانون لا يكتفي بفرض البيع بل يشترط انفصالا كاملا يمنع أي تعاون مع " بايت دانس " بشأن الخوارزمية. أما الباحث كريغ سينغلتون من " مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات " فذهب أبعد من ذلك، معتبراً أن أي حضور لبايت دانس داخل مجلس الإدارة الجديد يعني عملياً أن " بكين ما زالت داخل المبنى " .
وبين تقييمات مالية متناقضة ، ومستثمرين غامضي الهوية، وصعوبات تقنية تتعلق بالخوارزمية، وضغوط سياسية متصاعدة ، تبقى صفقة " تيك توك " واحدة من أعقد الملفات في العلاقة الأميركية – الصينية. لتظل الأسئلة مفتوحة : هل جرى عمدا التقليل من القيمة الحقيقية للمنصة ؟ هل تستطيع " أوراكل " فعلا السيطرة على خوارزمية بهذه الضخامة ؟ وهل يسمح شكل الصفقة لبايت دانس بالاحتفاظ بنفوذ غير مباشر داخل النسخة الأميركية ؟ .
أسئلة معلّقة تجعل مستقبل " تيك توك " في الولايات المتحدة معلقا بدوره، على حافة المجهول.

