بقلم - د. محمد الحقيب الغامدي
في عالم الطب ليس كل شيء يُقاس بالأجهزة وغرف العمليات فهناك شيءٌ آخر لا يُرى لكن يُحسّ شيءٌ يشبه الضوء حين ينساب داخل صدر الطبيب فيضيئه من غير استئذان .
وهكذا كان الدكتور عبدالله بن خشيل ــ استشاري القلب في مدينة الأمير سلطان الطبية بالرياض ــ يوم بلغه خبر نجاح العملية التي أجراها مريضه بعيداً عنه وفي مستشفى آخر رغم أنه كان يتابع حالته في عيادته لأكثر من عشر سنوات .
لم ينزعج ولم يعتب .
بل ارتفعت في قلبه رايةٌ من الفرح الخالص .
ذلك الفرح الذي لا يخرج إلا من قلبٍ خبيرٍ بالإنسان قبل المرض وبالرحمة قبل الاحتراف .
كان الدكتور عبد الله يتابع حالة المريض طويلاً يقرأ نبضه كما تُقرأ القصائد ويطمئن على صحته كما يطمئن الأب على ولده .
وعندما اختفى المريض فجأة وعاد الخبر محمولاً بأن العملية أُجريت في مكان آخر اكتفى الطبيب بأن رفع يديه إلى السماء وقال : اللهم تمّم له الشفاء .
وحين بلغه أنها تكللت العملية بالنجاح ابتسم ابتسامةً واسعة كأنها لحظة عودة الغائب وقال في هدوء : المهم أنك بخير هذا يكفيني .
تلك هي أخلاق الطبيب الذي لا يبحث عن مجدٍ ولا عن ذكر بل يبحث عن حياةٍ تُعطى وألمٍ يُرفع وصدرٍ يعود للتنفس بطمأنينة .
في قلب الدكتور عبدالله ذلك القلب الهادئ الواثق كانت ملامح الفرح تشبه فرحة من رأى أحد أبنائه يعود من سفرٍ طويل .
لقد أثبت هذا الموقف أن الطبيب الحقيقي ليس من ينتظر دخول المريض على يديه ليضيف إنجازاً لسيرته بل من يفرح لنجاح العملية وإن لم يحضرها .
ويسعد بعودة الصحة وإن لم يضع بصمته عليها .
فالطب قبل أن يكون علماً هو إنسان .
وقبل أن يكون غرفة عمليات هو غرفة قلب .
ولعل أجمل ما في القصة أن المريض حين علم بفرح طبيبه شعر أن الدنيا ما زالت بخير وأن هناك رجالاً يفرحون بالعمل الذي يقومون به كما يفرحون بالخير الذي يصلك ولو جاء من غيرهم .
وهكذا بقي الدكتور عبدالله بن خشيل نموذجاً للطبيب الذي إذا حضر كان طمأنينة وإذا غاب بقي أثره ضوءاً في الممرات وإن لم يجرِ العملية بيده فقد أجراها بخلقه وفرح لها بقلبه .
وهكذا اطباؤنا البررة في مملكتنا مملكة الرحمة المملكة العربية السعودية .