

بقلم - عبيد مطيران الظفيري
في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة التغيير في أساليب التعليم، وتزداد الحاجة إلى تجارب تعليمية أكثر حيوية وتفاعلية، تبرز الرحلات المدرسية الطلابية كأحد أهم الوسائل في بناء شخصية الطالب وتنمية معارفه وتوسيع مداركه، بعيدًا عن أساليب التعليم التقليدية.
فالرحلة المدرسية ليست مجرد نزهة أو فسحة خارج المدرسة، بل هي امتداد لعملية التعلّم، وفرصة لاكتساب مهارات حياتية وسلوكيات إيجابية ومعلومات واقعية يصعب تلقينها داخل قاعة الدرس.
فعندما يزور الطلاب مرافق مدينتهم من متاحف ومصانع ومؤسسات حكومية ومراكز بحثية، فإنهم لا يكتفون بالمشاهدة، بل يعيشون التجربة، ويربطون بين ما يتعلمونه نظريًا والواقع العملي.
وتتجاوز أهمية هذه الرحلات حدود المدن التي يقطنها الطلاب، لتشمل زيارات إلى مناطق أخرى داخل الوطن بما تحمله من اختلاف في التضاريس والثقافات والعادات الاجتماعية، مما يسهم في ترسيخ مفهوم تقبّل الآخر، وتعزيز روح المواطنة والانتماء، والتعرف على تنوع الوطن وغناه.
ومن غير المنطقي أن يقضي الطالب ما يقارب اثني عشر عامًا في التعليم العام، دون أن تتاح له تجربة تعليمية واحدة خارج جدران المدرسة.
فالرحلات تكسر الروتين اليومي، وتجدد النشاط، وتفتح أمام الطالب آفاقًا جديدة لاكتشاف ذاته ومجتمعه ووطنه، مع مراعاة أعمار الطلاب واحتياجاتهم، واختيار الأماكن المناسبة والآمنة التي تتناسب مع إمكانات المدرسة.
إن اعتبار الرحلات المدرسية ترفًا أو من الكماليات يُعد فهمًا قاصرًا لدورها الحقيقي، فهي ليست مجرد نشاط ترفيهي، بل ضرورة تعليمية وتربوية تسهم في تعزيز الثقة بالنفس، وتنمية مهارات التواصل، والتعلم من خلال التجربة والملاحظة والمشاركة الفعلية.
ومن أبرز آثار هذه الرحلات الإيجابية، تعزيز الانتماء الوطني، فحين يرى الطالب بعينه المشاريع العملاقة والإنجازات الوطنية، يشعر بالفخر والاعتزاز، ويدرك أن وطنه يسير بخطى واثقة نحو التنمية والتطور.
كما يكوّن صداقات أعمق، ويبني ذكريات خالدة مع زملائه ومعلميه، تزيد من حبه للمدرسة والدراسة، وتعرفه على بيئته ومكوناتها، ليكتسب الوعي البيئي وكيفية الحفاظ عليها والتعامل معها والدفاع عنها وتنميتها.
وقد اطّلعت على تجارب محلية وعالمية رائعة، خصوصًا في الدول الأوروبية التي تولي هذا الجانب اهتمامًا كبيرًا، إذ تُشاهد مجموعات من الطلاب في المطارات يمكن تمييزهم من خلال زيّهم الموحد، يجوبون البلدان بهدف التعلم والاستكشاف، وسط دعم وتخطيط واضح من الجهات التعليمية.
ومن هذا المنطلق، أناشد المسؤولين في القطاع التعليمي بإعادة النظر في تنظيم الرحلات المدرسية، ومنحها مساحة أكبر ضمن الخطط الدراسية، وتوفير الدعم اللازم لتنفيذها على نطاق واسع ومنظم. كما ينبغي إدراجها ضمن الأنشطة الأساسية للمدارس، وتنفيذها بشكل إلزامي ومتكرر، ليتمكن جميع الطلاب من الاستفادة منها، خصوصًا في المدارس ذات الإمكانات المحدودة أو الواقعة في القرى والهجر.
إن الرحلات المدرسية ليست ترفًا، بل جزء لا يتجزأ من العملية التعليمية، واستثمار في بناء أجيال أكثر وعيًا، وانفتاحًا، واعتزازًا بوطنها. فلنعمل جميعًا — مؤسساتٍ وأسرًا ومجتمعًا — على دعم هذا التوجه، وتوفير بيئة تعليمية أكثر تفاعلًا.