النهار السعودية

٠٧:٤١ م-٠٦ اكتوبر-٢٠٢٥

الكاتب : النهار السعودية
التاريخ: ٠٧:٤١ م-٠٦ اكتوبر-٢٠٢٥       3245

بقلم - لواء.م. عبدالله ثابت العرابي الحارثي

في عصر السرعة الرقمية، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، يطرح اليوم سؤال مهم بين المختصين والمهتمين بالشأن المجتمعي: هل باتت هذه الوسائل بديلاً حقيقيًا عن الاجتماعات العائلية والمجالس الأسرية التقليدية؟ ومع تباعد الأسر الكبير والصغير، واختلاف مصادر الرزق والمسافات أحيانًا، أصبح التواصل المباشر أمرًا صعبًا، فتأتي منصات مثل واتساب ووسائل التواصل الأخرى لتملأ الفراغ، وتمنح الناس شعورًا بالاتصال اللحظي والفوري.

في الفترة الأخيرة، لاحظنا أن بعض الشيوخ والمختصين في شؤون الأسرة يثمنون هذا التوجه، معتبرين أن المجموعات الرقمية تدخل ضمن صلة الرحم، إذ تعكس الحاجة للتواصل مع الأقارب والبقاء على اطلاع بحياتهم. فهذه المجموعات  تمنح العائلة مساحة لتبادل الأخبار، وإرسال التهاني، وتنسيق المناسبات، وحتى تقديم الدعم الاجتماعي، لكنها ليست بديلًا حقيقيًا عن دفء اللقاءات المباشرة، ولا عن طقوس المجالس التي تجمع الأجيال المختلفة.

التغيير الذي نشهده اليوم يعكس تحولًا في مفهوم العلاقة الاجتماعية: من حضور جسدي مباشر إلى تواصل لحظي رقمي. وفي الوقت نفسه، هناك من يرى أن هذا التحول يشجع على استمرار الروابط الأسرية في ظل الظروف المتغيرة، بينما يحذر آخرون من أن الاعتماد على التواصل الرقمي قد يضعف الأواصر الحقيقية، ويقلل من قيمة اللقاء المباشر، الذي يحمل تأثيرًا نفسيًا وروحيًا لا يمكن أن تحلّه أي منصة.

يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستستمر هذه الوسائل في لعب هذا الدور كبديل تواصلي، أم أنها ستظل مكملًا، يحافظ على الروابط ولكن دون أن يحل مكان الاجتماع العائلي الحقيقي؟ الإجابة تكمن في كيفية توازننا بين التكنولوجيا وروابطنا الإنسانية الأصيلة، وكيف نغرس في الأجيال الجديدة قيمة اللقاء المباشر وصلة الرحم الحقيقية، بعيدًا عن مجرد الرسائل والإشعارات الرقمية.

في النهاية، تبقى منصات التواصل أداة قوية يمكن أن تدعم العلاقات، لكنها لا تستطيع أن تحل محل الدفء الذي يمنحه الاجتماع العائلي والمجالس التقليدية، فالإنسان بطبيعته يحتاج إلى القرب، واللمس، والحديث وجهًا لوجه، وهو ما يبقى الركيزة الحقيقية لأي صلة رحم أو تواصل اجتماعي ناجح.