بقلم ـ مبارك بن عوض الدوسري
في طرحٍ ثري قدّمه الأمين العام للمنظمة الكشفية العربية الدكتور هاني عبدالمنعم عبر برنامجه الرقمي "قطرة"، برزت قيمة المشاركة المجتمعية كأحد أعمدة الطريقة الكشفية التي تقوم عليها الحركة الكشفية منذ تأسيسها؛ هذا الطرح لم يكن مجرد تناول نظري لمفهوم المشاركة، بل كان تفكيكاً واعياً لعلاقة الكشاف بمجتمعه، ودعوة صادقة لإعادة تفعيل هذا البعد الحيوي في الممارسة الكشفية اليومية.
لقد شدّد الدكتور هاني على أنّ المشاركة المجتمعية ليست نشاطاً مُلحَقاً بالبرنامج الكشفي، بل هي جزء أصيل من الهدف الرئيسي للحركة: مساعدة الفتية والشباب على تطوير إمكاناتهم كأفراد مسؤولين ومنتمين لمجتمعاتهم الوطنية والإقليمية والعالمية؛ وهي رؤية تتّسق مع جوهر الطريقة الكشفية التي تؤمن بأن النمو الحقيقي للكشاف لا يكتمل إلا عندما يربط مهاراته وقيمه بخدمة الآخرين.
من أبرز ما تناوله الدكتور هاني بعمق هو ربط الطريقة الكشفية بسياق المجتمع، من خلال ما أشار إليه بـ “الاستكشاف النشط”، وهو توجه يعزز وعي الكشافين بقضايا مجتمعهم، ويجعل أنشطتهم امتداداً طبيعياً لاحتياجات الناس من حولهم؛ فالكشاف لا يتعلّم في المعسكرات فقط، بل في الشوارع والميادين والمدارس والمبادرات المدنية، حيث تتجسد الحياة الحقيقية.
كما أشار إلى بُعد آخر في غاية الأهمية، وهو تمكين الكشاف من خلال تحويل كل فرصة تعلم إلى فرصة خدمة؛ فعندما يدرك الكشاف أن مهاراته الصحية، والبدنية، والقيادية، يمكن أن تسهم في تحسين بيئته، حينها يصبح الدور الاجتماعي جزءاً من شخصيته وليس مهمة عابرة.
ويدرك المتابع لطرح الدكتور هاني أن المشاركة المجتمعية ليست مجرد عمل تطوعي؛ بل هي أداة لتعزيز التقدير والتفاهم بين فئات المجتمع، ومساحة للتلاقي بين الأجيال، ومنصة تُظهر فيها الكشافة أجمل ما تقدمه من قيم: الأخوة، التعاون، المبادرة، والالتزام الفعّال؛ كما أنها تُعدّ وسيلة لدعم التماسك الاجتماعي، وحشد جهود المجتمع نحو أهداف مشتركة تعود بالنفع على الجميع.
وعند قراءة مفهوم المشاركة المجتمعية من منظور التنمية، نجد أن ما تطرّق إليه الدكتور هاني ينسجم تماماً مع الأدبيات الدولية التي تعتبر مشاركة المجتمع المحلي أحد أهم مؤشرات نجاح الخطط التنموية؛ فالناس هم الهدف وهم الوسيلة، والتنمية التي لا يشارك فيها المجتمع تُولد ضعيفة، بينما تلك التي تُبنى على مساهمات أفراده - رأياً، وعملاً، وتمويلاً، ودعماً هي التنمية التي تصمد.
إن حديث الدكتور هاني عبدالمنعم في "قطرة" ليس مجرد عرض معرفي، بل هو دعوة عملية لإعادة توجيه المحتوى الرقمي نحو دعم العمل الكشفي مباشرةً، وتسخير المنصات الحديثة لتعزيز فهم الطريقة الكشفية، ورفع كفاءة القادة، وإلهام الفتية والشباب لحمل راية الخدمة العامة بوعي وفاعلية.
وبالنظر إلى القيمة المتقدمة لهذا الطرح، فإن من الضروري أن تلتقط الجمعيات الكشفية العربية هذا المحتوى النوعي وتحوّله إلى برامج، وحوارات، وورش تدريبية تُصقل ممارسات الميدان، وتعيد الاعتبار لركيزة المشاركة المجتمعية كجزء لا يتجزأ من حياة كل كشاف.
إنّ "قطرة" التي يُطلّ بها الدكتور هاني كل حين ليست مجرد قطرة، بل هي نبعٌ معرفي يعيد الحيوية للطريقة الكشفية ويُسهم في إنارة الطريق للممارسين في الميدان، ويُذكّر بأن جوهر الحركة الكشفية سيظل دائماً: خدمة الآخرين، وبناء الإنسان، وصناعة الأثر.