بقلم - عبدالمحسن محمد الحارثي
تولد المشاريع عادةً فوق بساطٍ من التطلعات، متكئةً على حماسة أصحابها ورغبتهم في إحداث فرق.
غير أنّ السوق لا يمنح النجاح مجاناً، ولا يرحم من يقدّم عاطفته قبل حكمته.
وكما يقول التجار: “السوق يُنصف المجتهد، لكنه لا يعطف على الغافل".
والفلاسفة يؤكدون: “الأمنيات لا تبني طريقاً، وإنما تبنيه الخطى الحكيمة".
هكذا، تتأرجح المشاريع بين حلمٍ يصنع بدايتها، وخطأٍ قد يصنع نهايتها.
أولاً: سوء اختيار الموقع..حين تُزرع البذرة في أرضٍ لا تُنبت
الموقع ليس مجرد نقطة على الخريطة، بل هو مسرح العمل ونقطة التقاء المنتج بجمهوره.
اختيار موقع غير مناسب يجعل المشروع ككتابٍ جميل وضع في رفّ لا يمرّ عليه أحد.
ولذلك قال أهل السوق قديماً: “الموقع نصف التجارة، والنصف الآخر فهم الناس".
ثانياً: ضعف العمالة المدربة..حين تُغلق الجودة من بابها الأول
العمالة هي اليد التي تبني السمعة أو تهدمها.
وقد قال كونفوشيوس: “من يعمل بلا معرفة ؛ يسير بلا طريق".
وفي وقت أصبحت فيه التوقعات أعلى من أي وقت مضى، والعميل أكثر وعياً ؛ لا بديل عن العمالة المدربة التي تضمن جودة ثابتة ومستقرة.
ثالثاً: عشوائية الديكور..استثمارات بلا أثر
تسعى بعض المشاريع إلى مظهرٍ فاخر يستهلك ميزانيات ضخمة دون حاجة حقيقية.
فإذا كان الديكور لا يخدم الهوية أو يسهم في تحسين التجربة ؛ فإنه يصبح عبئاً.
يقول الجاحظ: “لا يغني البهرج عن الجوهر".
والجوهر هنا هو ما يقدّمه المشروع من خدمة ومنتج ورضا.
رابعاً: جودة المنتج..معيار البقاء الأول
في ظل منافسة شديدة، وتطور سريع، وانفتاح إعلامي لا يتوقف ؛ أصبحت جودة المنتج الشرط الأول للاستمرار.
قد يجذب الإعلان عملاء لأول مرة ؛ لكن المنتج وحده هو الذي يعيدهم.
ولذلك يردد التجار: “زبون راضٍ واحد ؛ خيرٌ من ألف إعلان".
فالجودة ليست خياراً، بل هي صمام الأمان الحقيقي لأي استثمار.
خامساً: التسويق المستمر..ضرورة في عصر الإعلام الذكي
التسويق لم يعد حملة موسمية، ولا إعلاناً يُنشر ثم يُنسى، بل عملية دائمة تُواكب سلوك العملاء وتطور التقنية وتغيّر الذائقة.
وفي زمن الإعلام الذكي ؛ تقاس قوة المشروع بقدرته على:
• الظهور المنتظم.
• سرد قصته بذكاء.
• بناء حضور في المنصات.
• وتحويل العميل إلى سفيرٍ للعلامة.
فالتسويق لا يعوّض عن ضعف المنتج ؛ لكنه يرفع صوت المنتج الجيد ، ويمنحه مكانه المستحق.
سادساً: تسعير غير مدروس..حين تخسر الأرقام معناها
التسعير هو علم قائم بذاته، يتطلب معرفة التكاليف، ودراسة السوق، وتحليل المنافسة، والتدرج الواعي.
ابن خلدون لخص ذلك بقوله: “فساد التقدير ؛ أصل فساد الأسواق".
وما أسهل أن يسقط مشروعٌ في هذا الباب ؛ عندما يضع الأسعار استناداً إلى الانطباع لا إلى الحساب.
سابعاً: دراسة جدوى ضعيفة..السير نحو المجهول
الاندفاع دون دراسة دقيقة يشبه الإبحار في بحرٍ مجهول بلا بوصلة.
وقد قال سقراط: “اعرف قبل أن تعمل ؛ كي لا تندم بعد أن تعمل".
ودراسة الجدوى ليست ورقة شكلية، بل هي خارطة طريق تكشف المخاطر، وتوضح التكاليف، وتبين جدوى المشروع قبل أن يلتهم رأس المال.
ثامناً: جمهور غير محدد..خطاب لا يصل إلى أحد
تحديد الجمهور المستهدف هو الخطوة التي ترتكز عليها كل القرارات لاحقاً.
وصَدَقَ التجار حين قالوا: “اِعرف لمن تبي؛ قبل أن تعرف ماذا تبيع".
فالسوق لا يستجيب لمن يحاول إرضاء الجميع، بل لمن يتقن فهم جمهوره الحقيقي.
أخطاء أخرى لا تقل خطورة
ضعف المتابعة، غياب الهوية، سوء الإدارة المالية، التسرع في اتخاذ القرار ؛ كلها ثغرات قد تبدو صغيرة لكنها تتسع مع الوقت حتى تهدر المال والجهد.
وقد أوجز الشافعي المعنى بقوله: “من استعجل الشيء قبل أوانه ؛ عوقب بحرمانه".
التجارة ليست رهانا على الحظ، ولا مغامرة عاطفية، بل منظومة تعتمد على العلم والخبرة والانضباط.
وفي زمن تتسارع فيه المنافسة ويشتدّ فيه وعي المستهلك ؛ لا يملك المشروع ترف الخطأ.
ولهذا قال المثل الشعبي:“زراعة بقوّة، وإلا تجارة بقانون".
فإن كانت المشاريع تولد بالأحلام ؛ فإنها لا تعيش إلا بالجودة، ولا تنمو إلا بالتسويق الذكي، ولا تستمر إلا بالوعي والدراسة والتخطيط.