بقلم ـ عبدالمحسن محمد الحارثي
شهدت قاعة ألف ليلة وليلة ؛ إحدى ليالي الطائف المأنوس ؛ مناسبة زواج لافتة في مستواها التنظيمي والفني، قدّمت نموذجاً مختلفاً يقوم على الاحترافية والابتكار والوعي بضرورة تطوير شكل الاحتفالات بعيداً عن التكرار والاستنساخ.
ومنذ الدقائق الأولى ؛ ظهرت ملامح هذا التوجّه بعدما بادر العريس / ماهر بن عبدالرحيم النمري ، الملقّب بـ“صوت الهدا” ؛ إلى الاعتذار عن قبول أي شيلات أو مشاركات منبرية، في خطوة أراد من خلالها الحفاظ على وحدة الفكرة وتماسك البرنامج، وإظهار الحدث بصورة تعكس ذائقته الفنية التي اشتهر بها.
ويُعد العريس -بوصفه منشدًا ، وله إسهامات فلكلورية وشعبية - واحداً من الأسماء التي أسهمت في تقديم الموروث بطابع أصيل، مما أضفى على المناسبة بُعداً إضافياً من الحضور الفني والاستثمار الواعي للإرث الثقافي للمنطقة.
“برومو” افتتاحي يوحي بمستوى الاحتراف
جاءت الفقرة الافتتاحية وما تلاها أشبه بـ“برومو” فني متكامل، أُعدّ بعناية محسوبة، وأعطت انطباعًا مبكرًا بأن الليلة لن تسير في إطارها التقليدي، بل ستتجاوز ذلك إلى تقديم صورة ثقافية مدروسة.
وتأتي هذه المقاربة انسجاماً مع قاعدة معروفة في الفنون:“البداية المحكمة ليست تمهيداً للمشهد ؛ بل تعريفٌ بمستواه".
كلمة الوالد..وصوت الأسرة
افتُتحت الفقرات بكلمة والد العريس، جاءت هادئة وثرية بالمعنى، ثم قصيدة ألقاها شقيقه، لتتقدّم المناسبة بخطاب عائلي متوازن لا يغادر دائرة الاحترام والاختصار.
مقدّم حفل محترف.. وإدارة دقيقة للزمن
أدار مُقدِّم الحفل الفقرات باحترافية لافتة، أحسن فيها ضبط الإيقاع والتنقل بين المحاور، وأسهم في الحفاظ على نسق واحد للبرنامج، بما ينسجم مع المبدأ الذي يؤكد أن: “إدارة التفاصيل مفتاح الصورة الكاملة".
أوبريت تراثي متكامل.. وإعادة تقديم للموروث السعودي
تنقّلت الفقرات التراثية ضمن إطار أقرب إلى “أوبريت” موحّد، بدءاً من استعراض موروث أجداد المشاييخ من قبيلة النمور في الهدا، وصولاً إلى فقرات حيومة الطائف، والموروث العسيري والرّد، ومجرور الهدا، ثم العرضة الجنوبية.
وقد جاءت هذه الفقرات مرتبطة بسياق واحد، يعيد تقديم التراث بصورة حديثة دون التفريط بأصالته.
وهو ما يؤكد القاعدة الثقافية: “الأصالة لا تُحفظ بالتقليد ؛ بل بإعادة التقديم".
تنظيم لوجستي ومسرحي رفيع
شهدت المناسبة مستوى متقدماً من التنظيم اللوجستي والمسرحي، من حيث الإضاءة، وتوزيع الحركة، وانسيابية انتقال الفقرات، ما منح الاحتفال قيمة إضافية من الرصانة والوضوح.
وتعكس هذه الجهود حقيقة أن:“الجمال المنضبط أكثر بقاءً من الجمال العابر".
العريس.. حضور يجمع الفن والوعي
ظهر العريس -صوت الهدا - مشاركاً في الفقرات الشعبية، مكمّلاً للنواقص بإتقانه، وهو ما يعكس معرفته بالموروث الذي طالما أسهم في إحيائه.
وقد أضفى حضوره الفني عمقاً على المناسبة؛ ليبرز المعنى الذي تؤكده التجارب الثقافية:
“من يفهم إرثه… يستطيع تقديمه بأجمل صوره".
ختام حجازي الطابع
اختُتم الحفل بشيلة حجازية جاءت منسجمة مع الروح العامة للبرنامج، ومثّلت نهاية مناسبة تُقدَّم نموذجاً لما يمكن أن تكون عليه الاحتفالات حين يجتمع فيها الذوق، والوعي، والتنظيم.
قدّمت المناسبة مثالاً واضحاً على إمكانية تطوير نمط الاحتفالات بما يحافظ على الموروث ويرتقي بالذائقة العامة، لا سيما حين يتولى قيادتها شخص يُعرف بفنه وإلمامه بالموروث الشعبي مثل "صوت الهدا".
وهو نموذج يستحق الإشادة والاقتداء، ويؤكد أن:“التجديد ليس خروجاً عن الموروث ؛ بل ارتقاء به.