النهار

٠١:١٢ م-١١ اكتوبر-٢٠٢٥

الكاتب : النهار
التاريخ: ٠١:١٢ م-١١ اكتوبر-٢٠٢٥       3300

بقلم - فوز الرحيلي 

حوكمةُ الرياضةِ لم تعُد ترفًا تنظيميًّا أو مصطلحًا إداريًّا يُتداولُ في المؤتمراتِ بل أصبحت معيارًا حقيقيًّا لنجاحِ أيِّ منظومةٍ رياضيّةٍ حديثةٍ فالعصرُ الرياضيُّ اليومَ لا يقيسُ التميُّزَ بعددِ البطولاتِ أو حجمِ الصفقاتِ بل بقدرةِ المؤسّساتِ على إدارةِ مواردِها بشفافيّةٍ وعدالةٍ وعلى ضمانِ أن تكونَ المنافسةُ شريفةً وأن تصدرَ القراراتُ بمعاييرَ مهنيّةٍ واضحةٍ لا تخضعُ للأهواءِ أو المجاملاتِ

الرياضةُ في جوهرِها انعكاسٌ للمجتمعِ فإذا سادتْ فيها الفوضى انعكستْ تلك الفوضى على ثقةِ الجماهيرِ وإذا سادتِ الشفافيّةُ والحوكمةُ نمتْ معها قيمُ العدالةِ والمصداقيّةِ ولهذا فإنَّ تطبيقَ مبادئِ الحوكمةِ في المجالِ الرياضيِّ يعني ببساطةٍ أنَّ كلَّ قرارٍ يجب أن يُحاسبَ عليه صاحبُه وأنَّ المالَ العامَّ يجب أن يُدارَ بعينِ الرقابةِ وأنَّ الحقوقَ يجب أن تُمنحَ بناءً على الجدارةِ لا النفوذِ

في السنواتِ الأخيرةِ بدأتْ دولٌ كثيرةٌ ومن ضمنِها المملكةُ العربيّةُ السعوديّةُ في ترسيخِ مفهومِ الحوكمةِ كجزءٍ من رؤيةٍ شاملةٍ لتطويرِ القطاعِ الرياضيِّ لم يعد النادي مجرّدَ كيانٍ فنيٍّ بل مؤسّسةً اقتصاديّةً وثقافيّةً تتعاملُ مع جماهيرَ ورعاةٍ ولاعبينَ وإعلامٍ وتحتاجُ إلى نظامٍ إداريٍّ يوازنُ بين هذه العناصرِ جميعًا وزارةُ الرياضةِ السعوديّةُ أطلقتْ حزمةً من الأنظمةِ التي تُعدُّ من أهمِّ الخطواتِ نحو بناءِ بيئةٍ رياضيّةٍ احترافيّةٍ بدءًا من لائحةِ الحوكمةِ الماليّةِ والإداريّةِ مرورًا ببرامجِ الرخصِ والتقاريرِ السنويّةِ ووصولًا إلى إنشاءِ إداراتٍ مختصّةٍ بالرقابةِ والجودةِ داخل الأنديةِ هذه الإجراءاتُ لم تأتِ لمجردِ التجميلِ الإداريِّ بل لتأسيسِ ثقافةٍ جديدةٍ قوامُها الشفافيّةُ والمساءلةُ. 

الفرقُ بين منظومةٍ تُدارُ وفقَ الحوكمةِ وأخرى تُدارُ بالعشوائيّةِ هو ذاته الفرقُ بين الثقةِ والريبةِ وبين الاستدامةِ والانهيارِ فكم من نادٍ عالميٍّ انهارَ رغمَ نجومِه بسببِ سوءِ الإدارةِ وكم من مؤسّسةٍ رياضيّةٍ صعدتْ لأنّها احترمتِ القوانينَ ووضعتِ الأنظمةَ قبلَ الطموحاتِ الحوكمةُ تحمي من الانحرافاتِ وتغلقُ البابَ أمامَ الفسادِ الرياضيِّ سواءٌ أكانَ ماليًّا أم إداريًّا أم تحكيميًّا لأنّها تبني آليّاتِ رقابةٍ تضمنُ ألّا يُظلمَ نادٍ ولا يُفضّلَ آخرُ بغيرِ حقٍّ. 

وفي المقابلِ غيابُ الحوكمةِ يجعلُ المجالَ مفتوحًا أمامَ التلاعبِ بالنتائجِ والتجاوزاتِ في العقودِ واستغلالِ النفوذِ داخلَ الاتحاداتِ إنّها ليستْ قضيّةَ لوائحَ فقط بل ثقافةٌ تُزرعُ داخلَ كلِّ مسؤولٍ ولاعبٍ ومشجّعٍ فحينَ يُدركُ الجميعُ أنَّ القانونَ هو المرجعُ وأنَّ العدالةَ لا تتجزّأُ يتحوّلُ الأداءُ الرياضيُّ إلى قيمةٍ وطنيّةٍ لا مجرّدَ منافسةٍ موسميّةٍ. 

اليومَ تتجهُ الأنظارُ إلى السعوديّةِ كنموذجٍ يُعادُ صياغتُه من جديدٍ ليسَ في بناءِ المنشآتِ أو استقطابِ النجومِ بل في بناءِ الثقةِ والعدالةِ داخلَ منظومتِها الرياضيّةِ وهذا التحوّلُ العميقُ يُعيدُ تعريفَ معنى القوّةِ الرياضيّةِ إذ لم تعُد القوّةُ تُقاسُ بما تملكهُ من لاعبينَ بل بما تملكهُ من نظامٍ ورقابةٍ ومؤسّساتٍ تعملُ بعقليّةِ الدولةِ الحديثة. 

في النهايةِ حوكمةُ الرياضةِ ليستْ هدفًا نهائيًّا بل رحلةً مستمرّةً نحوَ الارتقاءِ نحوَ بيئةٍ تنافسيّةٍ نظيفةٍ تُدارُ فيها اللعبةُ بروحِ الشفافيّةِ وتُحترمُ فيها الأنظمةُ كما تُحترمُ الجماهيرُ فكما أنّ الملعبَ لا يرحمُ من يُخطئُ في لحظةٍ فإنّ التاريخَ لا يرحمُ من أساءَ إدارةَ الرياضةِ في زمنٍ كانَ الإصلاحُ ممكنًا.