النهار

٢٦ نوفمبر-٢٠٢٥

الكاتب : النهار
التاريخ: ٢٦ نوفمبر-٢٠٢٥       4840

بقلم - محمد الحقيب الغامدي 

في زمن تتقاطع فيه الأرواح عبر شاشات صغيرة وتتحوّل فيه الكلمة إلى سهم ينفذ في لحظة صار لزاماً على الإنسان أن يتذكر أن اللسان لم يعد وحده المتكلم فقد صارت الأصابع لساناً والمشاعر حبرا والقلوب ساحات لصوت قد يرفق أو يجرح .
لقد كانت الكلمة  قبل سنوات قليلة  تخرج من فم المتكلم ثم تنطفئ عند حدود المجلس . 
أما اليوم فهي تسافر بلا جواز ولا حدود وتبلغ من لا نعرف وجوههم ولا قلوبهم ولا ما قد تصنعه بدواخلهم . 
وهنا تكمن هيبة الكلمة… وهنا تُختبر مواقف الحكماء .

ومهما ازدحمت المنصات وبهرجت الأصوات يبقى قوله تعالى ميزاناً لا يحيد .
﴿ما يلفظ من قولٍ إلّا لديه رقيبٌ عتيد﴾
كأن الآية تُمسك بيد الإنسان في الزحام لتوقظه انتبه فكل حرف يُكتب سيشهد عليك .

الكلمة اليوم أصبحت عبادة إن أحسنت نية قائلها وأحسنت اختيارها .
وقد تكون خطيئة إن تهاون صاحبها أو دفعه الغرور أو زلّت به العجلة .

وما أكثر الذين جرحوا قلوباً دون قصد أو أفسدوا علاقة بكلمة عابرة أو حمّلوا أنفسهم أوزاراً لا يشعرون بها وهي تتراكم في فضاء لا يضيع فيه شيء .

إن المجتمع الذي يحترم الكلمة هو المجتمع الذي يعلو فيه صوت الرحمة ويهبط فيه ضجيج الخصومة .
مجتمع يعرف أن كتابة جملة جميلة قد ترفع معنويات شخص على حافة الانكسار وأن تعليقاً جارحاً قد يطفئ نور قلب يقاوم وحده في العتمة .

وليس مطلوبا أن نكون خطباء ولا فصحاء بقدر ما هو مطلوب أن نكون صادقين رحماء ناعمين في حضور الكلمة وغيابها .
فالكلمة الطيبة ليست نصاً أدبيا… بل خلق إلهي قال عنه ربنا سبحانه :
﴿ألم ترَ كيف ضرب الله مثلاً كلمةً طيبةً كشجرةٍ طيبة﴾
تنبت وتظلل وتثمر في الأرض والقلوب .

وفي زحمة العالم الرقمي نحتاج أن نتذكر أن الكلمة ليست منشوراً ولا تغريدة ولا تعليقاً عابراً .
إنها نافذة على قلبك وخطوة نحو آخرتك وسجل يُكتب الآن ليُقرأ غدا .
فليزن المرء كلمته كما يزن التاجر ذهبه .
يعرف أن كلمة قد تسقط ميزانا .
وكلمة محسوبة تفتح طمأنينه .

وختاماً ياسادة .
ليس في الدنيا أسرع من الكلمة ولا أثقل منها وزناً .
فمن أراد وجه الله فليجعل من كلماته جسوراً للخير لا سكاكين للقلوب .
وليجعل من حضوره الرقمي ظلاً لطيفاً يمر على الناس كما تمر النسمة على الوجه توقظ ولا تؤذي .