النهار
بقلم ـ عبدالله الكناني
تعلّمنا من التجربة أن *الإدارة علمٌ يستند إلى منهج، وفنٌ يستمد روحه من الشغف*؛ ومن يضع هذا الشغف فوق رأسه تاجًا، يضيء دربه ودرب من يعمل معه.
نحمد الله على ما ننعم به في وطننا من تنظيمات راسخة، تمتد لتلامس تفاصيل حياتنا، وتنهض بمؤسساتنا نحو مستويات رفيعة من الجودة والتحوّل.
وحديثي هنا ينصبّ على بعض *الهيئات التخصصية* التي تعمل تحت مظلات تشريعية كبرى؛ وهي مظلات كان لها الفضل، بعد الله، في تقدمنا في مجالات كثيرة بفضل ضبط الحوكمة وتشجيع القيادة الدائم للارتقاء بجودة العمل.
غير أن ما تكشفه التجربة العملية، ويستحق إعادة النظر، هو الجمع في بعضها بين الدور التشريعي والدور الرقابي داخل بعض تلك المظلات؛ جمعٌ يربك المشهد ويضعف الفاعلية، ويدفع الجهات العاملة تحتها إلى التحرّك في مساحة ضيقة بين الخوف من اللائحة والقلق من المحاسبة.
وقد شاركتُ، كما شارك غيري، في جلسات نقاش نظمتها بعض الجهات لمناقشة سن الأنظمة بكل شفافية وإبداء الملاحظات على اللوائح، وأكدتُ خلالها ضرورة الفصل بين التشريع والرقابة؛ فالمظلة التي تجمع الدورين تتحول — بوعي أو دون وعي — من شريك تطوير إلى جهة يُنظر إليها بوصفها جهة ضبط أولًا، ودعم ثانيًا.
الجهات العاملة تحت هذه المظلات لا تراها عونًا دائمًا؛ بل تلمح أحيانًا ملامح من المحاسبة أكثر من المساندة، ويتشكل لدى البعض انطباع أنها جهة مراقبة قبل أن تكون جهة دعم.
بينما الأصل أن تكون مظلة واقية، داعمة، ميسّرة، تمتلك من الخبرة والمعرفة ما يجعلها على تماس مباشر مع مقدمي الخدمة، فيطمئنون إليها ويقوى عطاؤهم تحتها.
*إن الخطأ في بيئة العمل وارد، بل جزء من حركة النمو*.
وقد يكون الخطأ ناجمًا عن نقص معلومة أو غموض لائحة، لكنه يُفسَّر أحيانًا وكأنه تعمّد أو تقصير لا يُعذر فيه أحد.
وهذه النظرة تُضعف الثقة، وتجرّد بيئة العمل من الأمان المهني الذي تحتاجه أي مؤسسة لتبدع وتطوّر، وتخلق مسافة غير مبررة بين المظلة ومن يستظلون بها.
آمالنا كبيرة في أن تتجه الجهات التشريعية والإشرافية إلى فصل الأدوار؛ ليكون التشريع في حيزه، والرقابة في حيز آخر، وتُترك المساحة الأكبر للمساندة، والتوجيه، وبناء قدرات الكيانات العاملة تحت مظلاتها.
*وأن يُفعّل هذا عبر إدارات متخصصة للتواصل والدعم، ولقاءات دورية، وورش عمل، وزيارات ميدانية؛ حتى يصبح التوجيه ثقافة، والشراكة ممارسة، والحوكمة تعاونًا لا صرامةً جافة*.
إن هذه المقاربة تُخفّف الأخطاء من جذورها، وتخلق تكاملاً وتناغمًا يُحسّن التنظيم، ويرفع المعنويات، ويعزز الثقة، ويصنع بيئة وظيفية تشبه السماء بعد المطر: نقية، قابلة للنمو، وواثقة في غدها.
*وما نطرحه هنا ليس سوى رؤى قابلة للنقاش مع كل جهة تطمح للتطوير. أمّا من لا يرى الحاجة إلى ذلك، فستظل مظلته مثقوبة، ويظل المستظل بها يرجو — مع أول هطول — أن تُسدّ الثقوب قبل أن يشتد المطر*.