

النهار
بقلم - حذامي محجوب
لم يكن ظهور الملك محمد السادس تحت قبة البرلمان أمس مجرّد افتتاحٍ للسنة التشريعية الجديدة، بل محطة وطنية تستعيد روح الجدية وتعيد ترتيب أولويات الدولة على أسس العمل والإنجاز. كان الخطاب لحظة تذكير جماعي بأن الأوطان لا تُبنى بالتصفيق، بل بما تنجزه الأيادي التي وُضعت في موقع الثقة والمسؤولية.
ألقى الملك كلماته وإلى جانبه وليّ العهد الأمير مولاي الحسن والأمير مولاي رشيد، في مشهدٍ يؤكد تواصل الأجيال واستمرار المسار الوطني. تحدّث بلغة هادئة ولكنها صارمة، بروح الأب الذي يعرف أبناءه ويطالبهم بأن يكونوا في مستوى الحلم المغربي الكبير. لم تكن الرسائل موجهة إلى السياسيين وحدهم، بل إلى كل مواطن، لأن البناء يخص الجميع والرهان هو الوطن.
أكد الملك أن المرحلة المقبلة هي مرحلة الفعل لا القول، وأن زمن الوعود انتهى. فالإنجاز هو المقياس الوحيد للنجاح، والعمل الملموس هو ما يمنح الثقة معناها الحقيقي. كانت الدعوة صريحة: لا مكان للتردد ولا للمصالح الضيقة، لأن الزمن لا ينتظر، والوطن لا ينهض إلا بسواعد أبنائه.
وفي حديثه عن العدالة الاجتماعية والمجالية، عبّر الملك عن رؤية إنسانية عميقة، تعيد الاعتبار لكل مناطق المغرب، من المدن الكبرى إلى القرى البعيدة والواحات والجبال. لم يتحدث كملكٍ يراقب من القصر، بل كمن يعيش نبض الوطن، يرى حاجاته ويشعر بمعاناته. فالعدالة الاجتماعية ليست شعارًا ولا ترفًا سياسيًا، بل هي أساس مشروع الدولة الحديثة التي تضع الإنسان في قلب التنمية.
وجاءت دعوته لتغيير العقليات قبل النصوص، وترسيخ “ثقافة النتائج” بدل “ثقافة التبرير”، بمثابة خارطة طريق نحو إدارة عمومية أكثر فاعلية وشفافية. فالثقة لا تُمنح مجانًا، والمسؤولية شرف قبل أن تكون وظيفة.
لم يكن الخطاب إذًا سياسيًا فحسب، بل أخلاقيًا وإنسانيًا بامتياز. حين قال الملك: «كونوا في مستوى الثقة والأمانة»، كان يخاطب روح الأمة لا مؤسساتها فقط، ضمير الوطن لا مكاتبه. إنها دعوة لإحياء القيم التي تأسس عليها المغرب: الوفاء، الجدّ، والكرامة.
وفي ختام خطابه، رسم الملك ملامح مغرب جديد: مغرب الفعل لا الشعارات، مغرب العدالة لا الفوارق، مغرب الإنسان قبل الأرقام. إنها رؤية تُلزم الجميع بالمشاركة في صناعة المستقبل، مستقبلٍ عنوانه الإصرار على أن يكون هذا الوطن في المكانة التي يستحقها بين الأمم.
فبكلماتٍ قليلة، أعاد الملك محمد السادس تعريف معنى القيادة في زمن التحولات: أن تكون قائداً يعني أن تُشعل شمعة وسط العتمة، وأن تزرع في النفوس يقينًا لا يخبو بأن الغد أجمل ما دام الإخلاص بوصلةً، والوطن غايةً تختصر فيها كل الطرق.

