بقلم - علي المالكي
عندما اعتلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ايده الله العرش في 23 يناير 2015، كانت المملكة تواجه تحديات عالمية متزايدة، من تقلبات أسعار النفط إلى الضغوط الديموغرافية لشباب يشكلون أكثر من 60% من الشعب السعودي.
كان الملك سلمان، بفضل الله ثم خبرته الطويلة اميرًا لمنطقة الرياض يدرك أن الاستقرار يأتي من الإصلاح، وبعدما تم تعيين الأمير محمد بن سلمان حفظه الله وليًا للعهد في يونيو 2017 كان إعلانًا عن عصر الشباب والطاقة.
في 25 أبريل 2016، أطلق الأمير محمد بن سلمان رؤية المملكة 2030 ، وهي خريطة الطريق التي رسمت مسارًا لتحويل المملكة العربية السعودية إلى اقتصاد متنوع ومجتمع نابض.
الرؤية مبنية على ثلاثة أبعاد رئيسية: "مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، وطاقة طموحة".
منذ ذلك الحين، أصبحت هذه الرؤية المحرك لمشاريع عملاقة، وبحلول 2025، حققت الرؤية إنجازات ملموسة، مثل زيادة مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي بنسبة 30%، وفتح أبواب الترفيه والسياحة التي استقبلت ملايين الزوار من شتى بقاع الأرض سنويًا.
المشاريع الاقتصادية والبنية التحتية: بناء أسس المستقبل
في قلب الرؤية، تكمن المشاريع التي تهدف إلى التنويع الاقتصادي بعيدًا عن النفط. أبرزها "نيوم" (NEOM)، المدينة المستقبلية التي أُعلن عنها في أكتوبر 2017 كمشروع يمتد على 26,500 كيلومتر مربع على الساحل الشمالي الغربي، بقيمة تفوق 500 مليار دولار.
نيوم ليست مجرد مدينة؛ إنها نموذج للحياة المستدامة، تعتمد على الطاقة المتجددة بنسبة 100%، وتجمع بين التكنولوجيا والابتكار.
في يناير 2021، أُطلق "ذا لاين" (The Line)، المدينة الخطية الفريدة طولها 170 كيلومترًا، مصممة لاستيعاب 9 ملايين نسمة دون سيارات أو انبعاثات كربونية.
بحلول 2025، أكملت المرحلة الأولى من ذا لاين، مع توقيع اتفاقيات لمصانع ذكاء صطناعي مع شركة "داتافولت" السعودية في فبراير، مما يجعل نيوم مركزًا عالميًا ومدينة تطير فيها الطائرات بدون طيار، وتزرع فيها الزراعة العمودية الغذاء للجميع – هذا ليس خيالًا علميًا، بل واقع سعودي.
من جانب آخر، يبرز مشروع "الرياض مترو"، الذي بدأ في 2019 كأكبر نظام مترو في العالم بطول 176 كيلومترًا و6 خطوط، بحلول 2025، تم افتتاح الخطوط الأولى، وأُعلن عن توسعة الخطوط 7 و8 لربط الرياض بالمناطق الخارجية، مما يخفف الازدحام ويوفر فرص عمل لآلاف الشباب.
كما شهدت السنوات الأخيرة إطلاق "مدينة محمد بن سلمان غير الربحية" في 2021، مركزًا للبحث العلمي والابتكار الاجتماعي لجذب الخبراء العالميين لتطوير حلول للتحديات العالمية مثل الفقر والتغير المناخي.
في مجال الطاقة، أدخل الملك سلمان وولي العهد برنامج "الطاقة المتجددة"، الذي يهدف إلى إنتاج 50% من الكهرباء من مصادر نظيفة بحلول 2030.
مشاريع مثل محطة "سدير" الشمسية، التي بدأت في 2021، أصبحت في 2025 أكبر محطة شمسية في العالم بقدرة 1.5 جيجاوات، مما يعزز مكانة السعودية كقائدة في الطاقة الخضراء.
المشاريع السياحية والترفيهية: فتح أبواب الجمال والمتعة
إذا كان الاقتصاد يبني الأساس، فإن السياحية تفتح النوافذ على العالم، في 2019، أُطلق "مشروع البحر الأحمر"، وهو وجهة سياحية فاخرة على 28,000 كيلومتر مربع، تضم 50 جزيرة و50 فندقًا فاخرًا. بحلول 2025، افتتحت المرحلة الأولى، مستقبلة أكثر من مليون سائح، مع التركيز على الاستدامة البيئية والحفاظ على الشعاب المرجانية.
تخيل قضاء عطلة في منتجع يعتمد على الطاقة الشمسية، محاطًا بمياه صافية وتراث إسلامي – هذا هو وعد البحر الأحمر
أما مشروع "قدية" (Qiddiya)، فهي المدينة الترفيهية العملاقة في الرياض، أُعلنت في 2018 كأكبر وجهة ترفيهية في العالم، بقيمة 8 مليارات دولار.
تشمل مدينة الألعاب، والمتنزهات المائية، والفعاليات الرياضية. في 2025، أعلن عن توسعة المرحلة الثانية، مع افتتاح "سي فور كورنرز"، أكبر مدينة ألعاب مغلقة، مما يجعل الرياض منافسًا لديزني لاند.
أما فتح السينما في 2018 كان خطوة أولى، واليوم نرى حفلات عالمية ومهرجانات تجذب الشباب السعودي إلى عالمه الخاص .
لا ننسى "العلا" (AlUla)، المشروع الذي أحيا التراث النبطي في 2017، محولاً الوادي إلى متحف مفتوح يستقبل ملايين الزوار سنويًا.
في 2025، أصبحت العلا مركزًا للمهرجانات الدولية، مثل "موسم الشتاء"، الذي يجمع بين الفنون والمغامرات.
وفي جدة، يرتفع "برج جدة"، الذي يُعد أطول مبنى في العالم بارتفاع 1 كيلومتر، كجزء من "مدينة جدة الاقتصادية"، مع توقعات اكتماله في أواخر العقد الحالي.
المشاريع الاجتماعية والثقافية: بناء مجتمع متجدد
عهد الملك سلمان شهد إصلاحات اجتماعية، مثل السماح للمرأة بقيادة السيارة في 2018، وزيادة مشاركتها في القوى العاملة إلى 35% بحلول 2025.
من هذا الإطار، يأتي "حديقة الملك سلمان"، الأكبر في العالم بمساحة 16 كيلومتر مربع في الرياض، أُطلقت في 2018 كمساحة خضراء للعائلات، مع حدائق وممرات رياضية.
ثقافيًا، "بوابة الدرعية" (Diriyah Gate) أحيت الموقع التراثي للدار الأولى في 2019، محولاً إياه إلى مجمع ثقافي يجمع المتاحف والمطاعم، مما يعزز الهوية السعودية.
كما أطلق "رياض آرت" في 2020، برنامجًا فنيًا يحول الرياض إلى عاصمة فنية، مع معارض وتماثيل عملاقة.
وفي المجال الصحي، "برنامج الجينوم السعودي"، الذي بدأ في 2018، رسم خريطة جينية للسعوديين لمكافحة الأمراض الوراثية، محققًا تقدمًا هائلاً بحلول 2025.
الإنجازات، التحديات، والمستقبل حتى 2025
بحلول أكتوبر 2025، بلغت قيمة العقود الممنوحة للمشاريع 196 مليار دولار، بزيادة 20% عن 2024، مع التركيز على الشراكات الدولية، الإنجازات تشمل خفض البطالة إلى 7%، وجذب 100 مليار دولار استثمارات أجنبية سنويًا.