النهار
بقلم - حذامي محجوب
حين يتحدث عالم من طراز عمر ياغي، الفائز بجائزة نوبل للكيمياء لعام 2025، بشكرٍ صادق للقيادة السعودية، فإن الأمر لا يقتصر على لفتة تقدير شخصية، بل يعكس تحوّلًا أعمق في مسار الفكر والعلم في المملكة. فالمكان الذي كان يُنظر إليه لعقود كوجهة اقتصادية أو دينية، بات اليوم فضاءً مفتوحًا أمام العقول الكونية، تلك التي تتجاوز حدود الجغرافيا والهوية لتصنع إنجازًا يحمل توقيع الإنسان قبل أي انتماء آخر.
وقد أثار إعلان فوز عمر ياغي بالجائزة جدلًا واسعًا حول جنسيته الحقيقية: أهو أردني كما هو أصل مولده؟ أم أميركي بحكم دراسته وعمله الطويل في الولايات المتحدة؟ أم سعودي بعد منحه منذ سنوات الجنسية السعودية تقديراً لمسيرته العلمية؟ هذا الجدل، وإن بدا في ظاهره مسألة هوية، إلا أنه في جوهره يعكس طبيعة العلم ذاته: علمٌ لا يعرف الحدود، وبحثٌ لا يُقاس بجواز السفر بل بما يقدمه صاحبه للبشرية.
لقد حسم العالم نفسه الأمر بشكره للقيادة السعودية، مؤكدًا انتماءه الوجداني والعلمي إلى أرضٍ فتحت له فضاء البحث واحتضنت مشروعه. فالسعودية منحته الجنسية، ليس فقط كرمز تقدير، بل كموقف واضح يُترجم رغبتها في إدماج العلماء المميزين ضمن منظومتها الوطنية للبحث والابتكار، وجعلهم شركاء في صياغة مستقبلٍ قائم على المعرفة.
ولا يُخفى أن للعالم عمر ياغي تعاونًا وثيقًا مع مؤسسات علمية سعودية مرموقة مثل جامعة الملك عبد العزيز ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية (KACST)، حيث أسهم في تطوير مشاريع بحثية متقدمة في مجال المواد المسامية وتطبيقاتها البيئية والطبية. تلك العلاقة العلمية تؤكد أن السعودية لم تعد تبحث عن الاستفادة فقط من العقول المهاجرة، بل عن تمكينها وإشراكها في بناء منظومة علمية راسخة على أرضها.
تُعيد المملكة اليوم تعريف مفهوم “الاستثمار” لتجعله استثمارًا في الذكاء، في الفكرة، وفي الحلم الإنساني ذاته. فمشاريعها البحثية، وجامعاتها التي باتت تُنافس نظيراتها في الغرب، تُظهر بوضوح أن المملكة لا تكتفي بالاحتفاء بالعلماء بل تخلق بيئةً تجعلهم يُزهرون ويتألقون.
اليوم، حين نسمع عالمًا عالميًا يقول: “شكرًا للسعودية”، ندرك أن المسألة لم تعد تتعلق بعلاقات عامة أو دبلوماسية رمزية، بل برؤية واقعية تجعل من العلم لغة مشتركة، ومن الإبداع هوية وطنية. فالسعودية الجديدة، وهي تحتضن العقول الكونية، لا تفتح أبوابها فحسب، بل تفتح مستقبلًا، لتُصبح بحق الوطن الذي يحلم به كل من جعل من الفكر وطنًا له.