بقلم - حذامي محجوب
لم تعد المملكة العربية السعودية مجرد دولة محورية في محيطها الإقليمي، بل باتت رقماً صعباً في معادلة الأمن والاستقرار الدولي. فبعد نجاحها في احتضان منتدى دافوس وقمم عالمية أخرى، ها هي اليوم تحتضن في العلا اجتماع قادة مؤتمر ميونيخ للأمن، في حدث استثنائي جمع أكثر من مئة شخصية سياسية وعسكرية ودبلوماسية من الصف الأول، جاؤوا لمناقشة التحديات الكبرى التي تواجه العالم.
إن اختيار المملكة لاستضافة هذا الحدث ليس تفصيلاً بروتوكولياً، بل هو اعتراف دولي بمكانتها المتنامية كفاعل أساسي في صياغة السياسات الدولية، وكشريك موثوق في بناء نظام عالمي أكثر توازناً.
فالرياض باتت منصة حقيقية للحوار بين القوى الكبرى، وجسراً يربط بين الشرق والغرب، بما يرسخ رؤيتها القائمة على تغليب لغة التفاهم على منطق الصراع.
وزارة الخارجية السعودية أكدت أن استضافة الاجتماع تجسد التزام المملكة بالحوار والتعاون الدولي، وهو ما يترجم عملياً رؤية القيادة السعودية التي جعلت من الانفتاح الدبلوماسي والمبادرات الاستراتيجية أداة لحماية الأمن الجماعي وصون المصالح المشتركة.
إن قراءة المشهد السياسي خلال السنوات الأخيرة تكشف أن السعودية لم تعد مجرد لاعب إقليمي تقليدي، بل أصبحت الضامن الأساسي لاستقرار العديد من الدول العربية.
فالتوازن الذي شهدته المنطقة لم يكن ليتحقق لولا الدور السعودي الفاعل، الذي نجح في تحويل القرارات الكبرى إلى وقائع ملموسة على الأرض، كما حدث في مسار الحرب على غزة، حيث برزت الرياض باعتبارها “عاصمة القرار” وصاحبة الكلمة المؤثرة في تحديد اتجاهات الأحداث.
القوة السعودية اليوم لم تعد محصورة في الاقتصاد أو الطاقة فقط، بل تجلت في قدرتها على الجمع بين الدبلوماسية الذكية والحضور الفاعل في الملفات الأمنية والسياسية.
هي قوة ناعمة وصلبة في آن واحد، تمارس تأثيرها عبر الحوار والوساطة، وتفرض احترامها عبر مواقفها الثابتة وإنجازاتها الملموسة.
وبهذا الحضور، تؤكد المملكة أنها ليست قوة إقليمية وحسب، بل شريك عالمي موثوق في صيانة الأمن والاستقرار، وحامل لرؤية استراتيجية تضمن مستقبلاً أفضل للعالم العربي والعالم بأسره. العلا، التي احتضنت قمة المصالحة العربية قبل أعوام، تعود اليوم لتكون شاهدة على لحظة جديدة تُكرّس السعودية قوة صاعدة، تصنع الفارق وتعيد تشكيل موازين القوى.