النهار

٣١ اكتوبر-٢٠٢٥

الكاتب : النهار
التاريخ: ٣١ اكتوبر-٢٠٢٥       4620

بقلم: الدكتور محمد الحقيب الغامدي

في عصرٍ تتسارع فيه الخوارزميات وتزهر فيه قدرات  الذكاء الاصطناعي  كأنّها شمس لا تعرف الغروب .
ينهض سؤالٌ مختلجٌ في أروقة الفكر : هل ما زال الـكتاب ذلك الرفيق الصامت يحتفظ بمكانته ؟ أم أنّه سيُطوى في طيّ صفحات التقنية ليصبح ذكرى لطيفة بلا تأثير ؟

لقد ثبت بأنّ القراءة وخاصة عبر الكتاب الورقي أو الرقمي  تؤدّي إلى تعزيز المهارات الفكرية كالتركيز والتفكير النقدي 
 ففي العصر الرقمي حيث تبدّد الانتباه في سيل وسائل التواصل في حين يبقى الكتاب موطناً للسكينة ولتأمّل الذات . 
كما أنّ الكتب المطبوعة لها سحر مادي ملمس الصفحات ورائحة الورق ورؤية الحروف المصفوفة وهو ما لا يمنحه تصفّح شاشة بحتة .
اليوم القدرة على توليد المحتوى عبر  الذكاء الاصطناعي  نصوصاً وصوراً حتى كتباً قائمة ذاتياً .
تطرح السؤال : إذا صار بإمكان الحاسب أن يكتب كتاباً فما قيمة الكتاب الذي كتبه إنسان ؟ ومع الانتشار السريع للمنصّات الرقمية تقلّ فرص التوقف عند كتابٍ فعلي للقراءة العميقة والتأمُّل .
عمق التجربة : الكتاب يسمح بالغوص في فكرةٍ واحدة أثناء قراءة هادئة بعيداً عن كل ما يشوش الذهن .
الحفظ والتوثيق : الكتاب ورقيٌّ أو رقميٌّ يمثل سجلاً لما بنى الإنسان من فكر ومعرفة في حين أن المحتوى الفوري قد يكون هشاً .
الوعي الذاتي في زمن تتسارع فيه المعلومات وتصبح القراءة ببطء اختياراً واعياً لاستهلاك الفكر وليس التسليه فحسب .

الذكاء الاصطناعي ليس بالضرورة أن يطيح بالكتاب بل يمكن أن يعزّزه إنِ استخدمناه بحكمة . 
فمثلاً ..
مساعدات  الذكاء الاصطناعي  تساعد في تحليل الكتب واستخراج الأفكار وتسهيل الوصول إليها .
لكنها لا تحلّ مكان لحظة الجلوس مع الكتاب .
حيث ينبثق التأمّل وينبع الإبداع من ابتعاد لحظة عن الضوضاء .

أيها المثقفون  إنّ دعوتنا كمجتمعٍ محليٍّ في دواويننا 
وفي مجالسنا ومنتداياتنا حتى مع أسرنا أن نستعيد عادة القراءة .
اختر كتاباً كل شهر أقرأه وتبادل الأفكار مع الأصحاب .
افتح جلسة نقاش حول ما قرأت وتساءل : كيف يناسبنا اليوم ؟ كيف ينير طرقنا ؟
لا تجعل  الذكاء الاصطناعي  بديلاً عن الكتاب بل اجعلهما شركاء : الكتاب للفكر والروح . والذكاء الاصطناعي للإبتكار.

الكتاب لم يزل يحتفظ بمكانته بل ربما صار أكثر حاجةً اليوم من أي وقت مضى لأنّنا في عصرٍ عجَليّ ومشتّت حين يعاود المرء الالتقاء بورقة وصفحات فإنّه يُعيد لنفسه المكان الذي يُبدع فيه وينمو فيه ويتأمّل فيه فأمام  الذكاء الاصطناعي  الذي يركض بنا إلى الأمام بسرعة الريح يبقى الكتاب هو الرّكْن الثابت الذي يذكرنا بأن المعرفة ليست فقط كماً بل كيفاً وأن الفكر ليس سرعة بل عمقاً.
فلنُمسك بالكتاب ونحتضنه ونجعل له مجلساً في حياتنا  لأنّ الإنسان حين يقرأ ينمو . وحين يتأمّل يجدد فكره ويبني المستقبل.