الكاتب : النهار
التاريخ: ٠٣:٢٢ م-٣٠ سبتمبر-٢٠٢٥       3080

بقلم -  نوره محمد بابعير 

من أزقة جدة التاريخية العابقة برائحة البحر وتفاصيل الحجر المرجاني، خرجت إلى العلن بوابة جديدة تعبر بالتراث السعودي نحو العالم.

ففي مؤتمر الاستثمار الثقافي 2025، لم يكن إطلاق الصفحة الرسمية لجدة التاريخية على منصة Google للفنون والثقافة مجرد إعلان تقني، بل حدثًا ثقافيًا يعكس رؤية المملكة في تحويل تاريخها الحي إلى لغة يفهمها العالم بأسره.

هذه المبادرة التي أطلقتها وزارة الثقافة بالتعاون مع منصة Google تأتي لتمنح جدة التاريخية ، الموقع السعودي المسجّل في قائمة التراث العالمي لليونسكو  ، نافذة عالمية، تتيح للباحثين والمهتمين والفنانين والجمهور العادي أن يتجولوا افتراضيًا بين بيوتها وأسواقها ومينائها العتيق.

خطوة تحمل بين طياتها وعدًا بأن التراث ليس حجرًا صامتًا، بل قصة تُروى وتُشارك وتتجدد عبر الأجيال.

إلى جانب هذا الإعلان، كان المؤتمر حافلًا بمبادرات تؤكد أن الثقافة باتت رافدًا اقتصاديًا حقيقيًا.

فقد أعلن الصندوق الثقافي عن إطلاق خمسة منتجات تمويلية جديدة صُممت خصيصًا لدعم المنشآت الثقافية متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، في خطوة تهدف إلى تمكين المبدعين من تحويل أفكارهم إلى مشاريع مستدامة، ترفد الاقتصاد الإبداعي وتمنحه زخمًا جديدًا.

كما تم الإعلان عن إطلاق ثاني صندوق استثماري خاص بقطاع الأفلام، بتعاون بين “بي أس أف كابيتال” والصندوق الثقافي وأحد عمالقة صناعة السينما العالمية.

صندوق يستهدف ليس فقط دعم إنتاج وتوزيع الأفلام، بل أيضًا تطوير البنية التحتية لهذا القطاع، بما يجعل المملكة لاعبًا أساسيًا في صناعة السينما إقليميًا وعالميًا.

ولأن جدة التاريخية ليست مجرد موقع تراثي، بل فضاء حي مرشح ليكون وجهة استثمارية وسياحية، فقد شهد المؤتمر توقيع اتفاقية بين وزارة الثقافة وشركة تطوير البلد لاستثمار أرض تجارية بجوار باب البنط التاريخي ، حيث يُخطط أن يحتضن متحف البحر الأحمر وتحويلها إلى وجهة نابضة بالحياة تجمع بين الثقافة والتجارة والترفيه.

وفي السياق ذاته، وُقّعت اتفاقية أخرى لتأجير وتشغيل مركز الفنون المسرحية في ميدان الثقافة بجدة التاريخية، بما يتيح تحويل المباني التراثية إلى مسارح للفنون وفضاءات للإبداع.

كما تم توقيع اتفاقية مع شركة بيوت لتشغيل خمس مبانٍ سكنية في قلب المنطقة التاريخية بنظام التأجير اليومي، بهدف رفع مستوى الخدمات السياحية وزيادة الطاقة الاستيعابية . 

تلك الإعلانات مجتمعة تؤكد أن مؤتمر الاستثمار الثقافي 2025 لم يكن مجرد منصة لعرض مشاريع، بل تجسيد لرؤية ترى في الثقافة موردًا اقتصاديًا ومجالًا استثماريًا لا يقل أهمية عن أي قطاع آخر.

ويأتي إطلاق منصة جدة التاريخية ليكون العنوان الأبرز لهذه الرؤية: لقاء بين الأصالة والحداثة، بين الذاكرة والابتكار، بين الحجارة القديمة وخوارزميات العالم الرقمي .