

بقلم - شموخ الحربي
الحياة أشبه بآلة موسيقية عظيمة، تتوزع أوتارها بين لحظات الفرح والحزن، بين النجاح والإخفاق، وبين الأمل واليأس. وكل إنسان هو العازف على أوتار أيامه، يملك أن يجعل ألحانه متناغمة تطمئن الروح، أو متنافرة تزيد الضجيج في داخله. والسعادة ليست شيئًا ننتظره من الخارج، ولا هدية تُعطى لنا صدفة، بل هي لحن داخلي يبدأ من القلب حين يعرف كيف يستمع إلى أنغام الحياة بصبر ووعي.
قد يظن البعض أن السعادة تعني حياة خالية من المتاعب، لكنها في حقيقتها حالة من الانسجام بين ما نملك وما نريد، بين أحلامنا وما نعيشه، بين القلب ومن حوله. فهي لا تنشأ من غياب المشاكل، بل من القدرة على تحويل كل عقبة إلى درس، وكل تحدٍّ إلى فرصة، وكل ضجيج إلى إيقاع يمكن أن يصنع لحنا أجمل. فكما أن أجمل السيمفونيات لا تخلو من النغمات العالية والمنخفضة، فإن أجمل حياة هي تلك التي تحتضن لحظات قوتنا وضعفنا معاً، دون أن تفقد اتزانها.
السعادة تولد عندما نرضى بما قُسم لنا، فالرضا وتر أساسي يبعث في القلب راحة لا يفسدها طمع ولا يقضي عليها حزن. ويلي ذلك المحبة، محبة الله والناس والخير، فهي ما يمد اللحن بدفئه ويعطيه معناه. ثم يأتي الأمل، ذلك الخيط الذي يعيدنا إلى اللحن كلما انقطع، ويجعل المستقبل مساحة مفتوحة للأحلام لا تنتهي. ويكتمل اللحن بالشكر والامتنان، حين ندرك أن أصغر تفاصيل الحياة يمكن أن تتحول إلى أسباب فرح لو تأملناها بعين مختلفة.
ولا يكتمل عزفنا إن بقي منفرداً؛ فالحياة أجمل حين نشارك أنغامنا مع الآخرين. ضحكة صغيرة، كلمة طيبة، أو مساعدة صادقة يمكن أن تصنع تناغماً يتجاوز حدود الذات ليملأ القلوب المحيطة بنا. فالسعادة بطبيعتها تكبر بالانتشار، وتزداد جمالاً حين نوزع ألحانها في قلوب من حولنا.
في النهاية، نحن من يقرر أي لحن ستعزفه حياتنا. قد نسمح للفوضى أن تبعثر أوتارنا، وقد نختار أن نصنع من نفس الضجيج موسيقى متناغمة تقودنا نحو السلام. وعندما ننجح في ضبط أوتارنا الداخلية، ونتركها تتناغم مع ما حولنا، ندرك أن السعادة لم تكن بعيدة عنا يومًا، بل كانت تسكن في أعماقنا، تنتظر لحظة عزف صادق يخرجها للنور. وحينها فقط يصبح العمر كله سيمفونية فريدة، يملأ صداها الروح بالطمأنينة، وتغدو كل لحظة فيه أغنية قصيرة من أغاني الفرح.

