






بقلم- نوره محمد بابعير
تعيش المملكة اليوم لحظة تاريخية فارقة في مسارها الثقافي، إذ لم تعد الثقافة محصورة في كونها فناً أو إبداعاً جمالياً فحسب، بل تحولت إلى قوة اقتصادية ناعمة، ورافد أساسي ضمن روافد التنمية المستدامة. وما مؤتمر الاستثمار الثقافي إلا انعكاس واضح لهذه النقلة، فهو منصة تكشف عن حجم التحولات التي يشهدها القطاع الثقافي، وتضع الثقافة في قلب المشهد الاقتصادي والاجتماعي.
لقد أكد سمو وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان في كلمته خلال المؤتمر للاستثمار الثقافي 2025 ، أن الثقافة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من منظومة التطور الوطني، وأنها لم تعد مجالاً نخبوياً، بل أصبحت صناعة متكاملة تمس حياة كل فرد وتفتح آفاقاً رحبة للاستثمار. إن كلمات سموه جاءت لتجسد رؤية المملكة 2030، التي جعلت من الثقافة محركاً للتنويع الاقتصادي ووسيلة لتعزيز الهوية الوطنية، ومصدراً لإنتاج المعرفة ونشرها.
آفاق جديدة ومعايير متقدمة
إن التطور الثقافي اليوم يتسع في أكثر من اتجاه، ويؤسس لنموذج اقتصادي معرفي يقوم على: تنمية الصناعات الإبداعية مثل السينما، الموسيقى، النشر، الألعاب الإلكترونية، والفنون البصرية، لتكون مصادر دخل حقيقية ومجالات عمل للشباب.
تطوير البنية التحتية الثقافية عبر إنشاء المسارح والمتاحف والمكتبات والمراكز الإبداعية، بما يتيح بيئة متكاملة لصناعة الثقافة. بناء شراكات دولية تسهم في تبادل الخبرات، وتضع المملكة في موقع مؤثر على الخريطة الثقافية العالمية .خلق فرص اقتصادية نوعية تضيف إلى الناتج المحلي وتدعم الاقتصاد الوطني في مجالات متعددة.
من الهوية إلى الاقتصاد
الثقافة ليست مجرد موروث يحكى أو تاريخ يُحفظ، بل هي حاضر يتجدد ومستقبل يُصنع.
فهي تحمي الهوية وتغذي الذاكرة الجمعية، لكنها أيضاً تفتح أسواقاً جديدة وتستقطب الاستثمارات. ومن هنا، فإن مؤتمر الاستثمار الثقافي يعرض صورة واضحة لما تحقق من إنجازات، بدءاً من دعم المبدعين المحليين، وصولاً إلى استقطاب رؤوس الأموال التي ترى في الثقافة فرصة استثمارية رابحة.
إن الأثر الاقتصادي للثقافة لم يعد أمراً نظرياً، بل بات واقعاً ملموساً. فالمهرجانات والفعاليات والمعارض باتت تضخ عوائد مالية ، وتوفر فرص عمل، وتساهم في بناء اقتصاد معرفي يقوم على الإبداع والابتكار. وهذا بحد ذاته يثبت أن الثقافة هي استثمار في الإنسان أولاً، ثم في الوطن ثانياً.
رؤية نحو المستقبل
ما يميز هذه المرحلة أن الثقافة باتت تتشابك مع بقية القطاعات: فهي تعزز السياحة عبر الفعاليات التراثية والفنية، وتدعم التعليم من خلال إدماج الفنون في المناهج، وتفتح أبواب الابتكار التكنولوجي عبر الصناعات الرقمية.
هذه التشابكات تثبت أن الثقافة لم تعد هامشية، بل أصبحت عنصراً مركزياً في بناء مستقبل المملكة.
إن مؤتمر الاستثمار الثقافي ليس مجرد حدث سنوي، بل هو إعلان مستمر بأن الثقافة دخلت دائرة الاقتصاد، وأنها تملك القدرة على إحداث نقلة تاريخية تنسجم مع طموحات الوطن.
ومع هذا الحراك المتنامي، تبرز المملكة كنموذج عالمي يجمع بين الأصالة والحداثة، بين الحفاظ على الهوية والانفتاح على الآخر. و الثقافة اليوم لم تعد ترفاً ولا تكراراً للماضي، بل هي صناعة المستقبل، واستثمار في الإنسان، وعنوان لاقتصاد معرفي متنوع يليق برؤية وطن بحجم المملكة العربية السعودية في رؤية 2030 .

