الدكتورة:مها ياسر
بقلم- د. مها ياسر
في بيئة العمل، يواجه المديرون تحديات مختلفة تتعلق بإدارة الفرق وتحقيق الأهداف بكفاءة. من بين هذه التحديات، التعامل مع الموظف الذي يختلق المشكلات ليظهر أهميته في العمل، هذه الظاهرة قد تؤثر سلبًا على ديناميكية الفريق، وتهدر الوقت والموارد، وتخلق بيئة غير صحية، وهذه قصة واقعية.
في إحدى الشركات الكبرى، كان “أحمد” يُعرف داخل الفريق بأنه المنقذ الدائم. إذ لم يكن يمر أسبوع دون أن يظهر ليحل مشكلة طارئة، سواء كان ذلك تأخيرًا مفاجئًا في مشروع، أو خطأ في نظام التشغيل، أو حتى سوء فهم بين الزملاء. كان دائمًا في قلب الأحداث، يتدخل في اللحظة الحاسمة ليقدم “الحل السحري”، مما جعله يحظى بإعجاب الإدارة وتقدير زملائه.
لكن مديره ، وبعد فترة من المراقبة، بدأ يلاحظ نمطًا غريبًا. ان الأزمات التي يتدخل فيها أحمد كانت غالبًا غير متوقعة وغير مبررة، وكأنها تظهر من العدم. كما أن الحلول التي كان يقدمها، رغم فعاليتها، كانت تبدو وكأنها مُعدة مسبقًا. وعندما بدأ المدير في التحقيق بهدوء، اكتشف الحقيقة الصادمة: أحمد لم يكن فقط يحل المشكلات، بل كان يفتعل بعضها بطريقة غير مباشرة، سواء بتأخير معلومات مهمة، أو نشر إشاعات صغيرة تؤدي إلى توترات داخل الفريق، أو حتى تعطيل بعض العمليات البسيطة لإظهار مدى أهميته. كان يسعى لأن يكون الرجل الذي لا غنى عنه، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار العمل.
عندما واجهه المدير بالأدلة، لم ينكر أحمد تمامًا، بل برر أفعاله بأنها كانت “لحماية وظيفته ” و”لإثبات أهميته للإدارة”. لكن في النهاية، أدرك الجميع أن خلق الأزمات ليس طريقة مستدامة للحفاظ على الدور الوظيفي، وأن الأداء الحقيقي يقاس بالإنجاز الفعلي، وليس بالقدرة على حل مشكلات كان يمكن تجنبها من الأساس.
معضلة العربة
يعكس الرسم أعلاه حالة رمزية تُحاكي 'معضلة العربة' الشهيرة في الفلسفة الأخلاقية، ولكن مع تحوير يُبرز بُعدًا إداريًا جديدًا.
في الحالة الأصلية، يتمثل الخيار الأخلاقي في الاختيار بين قتل شخص لإنقاذ مجموعة أو ترك العربة تسير بدون تدخل. أما في هذا السيناريو، فإن الشخص الذي يُفترض أن يكون محللاً أخلاقيًا (أستاذ الفلسفة الأخلاقية) يقوم بخلق المشكلة عمدًا لضمان استمرار أهميته ووظيفته. وهذا يشبه تمامًا ما يقوم به بعض الموظفين في بيئة العمل حين يختلقون الأزمات لضمان بقائهم كمحورٍ لا غنى عنه.
علمياً لماذا قد يختلق الموظف المشكلات؟
⦁ الرغبة في إثبات الذات تشير البحوث إلى أن بعض الموظفين يلجأون إلى خلق المشكلات بسبب:: وفقًا لدراسة نشرها Deci & Ryan (1985) حول 'نظرية التحديد الذاتي' (Self-Determination Theory)، يسعى الأفراد إلى الشعور بالكفاءة والاستقلالية والتقدير.
⦁ القلق من الاستغناء: في دراسة أجراها Greenhalgh & Rosenblatt (1984) حول 'الإدراك بعدم الأمان الوظيفي' (Job Insecurity Perceptions)، وجد أن الموظفين الذين يشعرون بعدم الأمان قد يلجؤون إلى خلق أزمات مفتعلة.
⦁ التحفيز غير المناسب وفقًا لنظرية التعزيز السلوكي لـ B.F. Skinner (1953)، فإن الموظفين الذين يُكافَأون بسبب حل مشكلات قد يميلون إلى خلقها عمدًا لضمان استمرار المكافآت والتقدير.
ولكن ما هي الاستراتيجيات المثلى للتعامل مع الموظف الذي يختلق المشكلات
⦁ تعزيز ثقافة العمل الاستباقي
⦁ خلق بيئة تدعم المبادرة والوقاية من الأزمات.
⦁ إعادة توزيع المهام
⦁ تقليل الاعتماد على أفراد محددين.
⦁ التقييم بناءً على الأداء الفعلي
⦁ وضع معايير تقييم تعتمد على تحقيق الأهداف وليس على عدد الأزمات المحلولة.
⦁ فتح حوار مباشر مع الموظف
⦁ مناقشة القضايا بوضوح لتوجيه الموظف نحو سلوكيات أكثر إنتاجية.
⦁ تعزيز الأمان الوظيفي
⦁ تقليل مشاعر القلق من خلال ضمان بيئة عمل مستقرة.
الخلاصة
إن اختلاق المشكلات في بيئة العمل قد يكون ناتجًا عن دوافع نفسية وتنظيمية مختلفة، ولكن يمكن الحد منه من خلال تطبيق استراتيجيات إدارية قائمة على الشفافية والعدالة والتقييم الفعلي للأداء. كما أن المديرين يجب أن يكونوا يقظين لاكتشاف هذه الظاهرة مبكرًا واتخاذ الإجراءات المناسبة لضمان بيئة عمل أكثر كفاءة واستقرارًا.
ملخص المقال
في عالم الأعمال، هناك نوع من الموظفين الذين يختلقون المشكلات ليظهروا أهميتهم ويثبتوا أنهم لا غنى عنهم، مما يؤدي إلى استنزاف الموارد وخلق بيئة غير منتجة. يستند المقال إلى دراسات علمية تفسر هذه الظاهرة، مثل "نظرية التحديد الذاتي" و"الإدراك بعدم الأمان الوظيفي"، ويقترح استراتيجيات فعالة لاكتشافها والتعامل معها، من خلال تعزيز ثقافة العمل الاستباقي، وإعادة توزيع المهام، والتقييم العادل للأداء، يمكن للمديرين تقليل هذه السلوكيات وتعزيز بيئة عمل أكثر استقرارًا وإنتاجية.