النهار
بقلم - لواء. م. عبدالله ثابت العرابي الحارثي
في زيارة استثنائية حملت ثقل الدولة وجلال الحضور، تقدّم الأمير محمد بن سلمان إلى المشهد الأمريكي بوصفه قائدًا يعرف تمامًا قيمة الصورة وأثرها في تشكيل الإدراك وصياغة الانطباع الأول؛ ظهر بثوبه السعودي وببشته التي أعادت إلى الذاكرة ثوب وبشت الملك المؤسس عبدالعزيز في لقائه مع روزفلت، مؤكدًا أن القيادة امتداد للهوية والسردية الوطنية لا شعارًا. كانت لغة جسده بليغة: وقفة مستقيمة تحمل ثقة مطلقة، نظرات تلتقط السؤال قبل أن يُطرح، ابتسامة مطمئنة، وسرعة بديهة تصنع الإجابة قبل حضور القلق، كل ذلك يظهر قائدًا يسيطر على الإطار الاتصالي قبل المحتوى.
ولذا حين جاءت الأسئلة الحرجة التي لا تخلو منها أي منصة إعلامية أمريكية، تعامل معها الأمير محمد وكأنه يقرأ السؤال من داخله قبل أن يُطرح؛ سأله صحفي في مجال الاستثمار عن دوافع السعودية، فجاء الرد نصًا اتصاليًا مكتملًا: “نحن لا نستثمر من أجل أمريكا ولا من أجل ترامب، نحن نستثمر من أجل مصلحة وطننا وعلى أساس فرص حقيقية وليست أوهامًا”، موقف مشبع بالثقة والسيادة، يعيد تعريف مفهوم الشراكة، ويؤكد أن السعودية تدخل أي اقتصاد وهي ممسكة بمفاتيح قرارها وأهدافها ومصالحها.
وحين جاء سؤال «خاشقجي» – الأكثر تداولًا في المنصات الأمريكية – أوضح الأمير مباشرةً موقف السعودية: “من المؤلم حقًا أن نسمع عن شخص فقد حياته، وبدون هدف حقيقي وبطريقة غير قانونية. المملكة قامت بجميع الخطوات الصحيحة، وتمت المحاسبة، واتُخذت إجراءات صارمة، وأُقيمت ضمانات تمنع تكرار مثل ذلك”. جاء الرد محكمًا، لينتهي الحديث دون تفريع أو استطراد، بأسلوب يجعل الرسالة واضحة، لا تُستدرج ولا تُستنزف
وفي سؤال الحادي عشر من سبتمبر، بدأ الأمير حديثه بالتعاطف مع الضحايا، ثم انتقل إلى جوهر الفكرة: من نفّذ العملية استغل سعوديين لضرب العلاقات السعودية–الأمريكية، لكنه فشل، لأن هذه العلاقة أقوى من أن تسقط بمؤامرة، وأعمق من أن تهتز بحدث عابر استُغل سياسيًا وإعلاميًا.
وعلى هامش الزيارة، تداولت بعض وسائل الإعلام مراهنات على أن يظهر الأمير بالبدلة السوداء، وكأن الملبس يحدد صورة القيادة. لكن الأمير فاجأهم للمرة الثانية وظهر بثوبه السعودي وهويته الكاملة، ليقدّم رسالة اتصالية أعمق: الهوية ليست زينة في المناسبات، بل بوصلة توجه السلوك، والقوة الحقيقية ليست في التشبه بالعالم، بل في أن يأتي العالم إليك ليقرأك على حقيقتك. وهكذا تحوّل الرهان الخاسر إلى برهان إضافي على أن محمد بن سلمان يكتب سرديته بنفسه، ويعيد تعريف الثبات والهيبة في زمن متغير.
ومع مرور الزيارة، تداول الإعلام الأمريكي ومؤثرو منصات التواصل مقاطع الأمير بكثافة؛ كان الحديث يدور حول قوة شخصيته وهدوئه وسرعة بديهته وذكائه الحاد، وحضوره المختلف عن أي قائد في المنطقة. وصفوه بـ “قائد يفهم لغتنا الإعلامية” و”أسرع سياسي في الإجابة وأكثرهم ثقة”، واعتبره رواد المنصات “الصورة الجديدة للقيادة في الشرق الأوسط”، ورؤيته تتحدث قبل كلماته. لم يكن الإبهار إعجابًا بالخطاب فقط، بل دهشة من قدرة هذا القائد على إدارة الحوارات العميقة بنفس الاتزان الذي يدير به التحولات الاقتصادية الكبرى.
وهكذا تحوّلت الزيارة إلى درس اتصالي متكامل في بناء الصورة الذهنية للدول، عبر الجاذبية القيادية، ولغة الجسد، وضبط السياق، وإدارة الأسئلة الحرجة، والتوازن بين القوة واللباقة. أثبت محمد بن سلمان أن القائد لا يذهب للإعلام لينجح، بل ليعيد تعريف النجاح ذاته، ويصنع صورة تتقدّم على الحدث، ليصبح القائد رسالةً ومنصةً وعنوانًا لصوت السعودية الجديد.