الكاتب : النهار
التاريخ: ١١ نوفمبر-٢٠٢٥       7700

بقلم - حمد حسن التميمي
في كل صباح نفتح أعيننا على عالم لا يمكن التنبؤ به. قد يبدأ يومك بابتسامة، أو بموقف مزعج، أو بخبر لم يكن في الحسبان. وفي خضم هذا التقلّب، نميل إلى الاعتقاد بأن يومنا يتشكل بفعل الظروف، وأننا مجرد رد فعل لما يحدث حولنا. لكن نظرية 10/90، التي طرحها الكاتب ستيفن كوفي، تأتي لتقلب هذه الفكرة رأسًا على عقب، وتهمس في أذن كل من يشعر بالعجز: ما يحدث لك لا يشكل سوى 10% من حياتك، أما الـ 90% الباقية فهي كيف تختار أن ترد.
هذه النظرية ليست مجرد شعار تحفيزي، بل فلسفة عملية يمكن أن تغير طريقة عيشك بالكامل. هي دعوة لأن تستعيد زمام الأمور، لا من خلال التحكم في العالم، بل من خلال التحكم في ذاتك. لأنك حين تتحكم في ردود أفعالك، تتحكم في يومك، وفي حياتك كلها.
ابدأ يومك بنية واضحة. قبل أن تفتح هاتفك أو تنغمس في المهام، خذ دقيقة واحدة فقط لتسأل نفسك: كيف أريد أن أعيش هذا اليوم؟ هذه اللحظة الصغيرة من الوعي تضعك في موقع القيادة، وتمنحك مساحة داخلية للهدوء. حين تواجه موقفًا مزعجًا — تأخير، نقد، أو حتى إحباط، لا تندفع. توقف. خذ نفسًا عميقًا. ذكر نفسك: هذا هو الـ 10%. الآن دوري في الـ 90%. هذا التمرين البسيط يغير طريقة تعاملك مع الحياة تدريجيًا، ويمنحك قوة داخلية لا تُقدر بثمن.
خصص وقتًا في نهاية كل يوم لتدوين موقف واحد أثر عليك، وكيف تعاملت معه. ثم اسأل نفسك: هل كان رد فعلي واعيًا؟ هل خدمني؟ هل كنت أنا من يقود الموقف أم أن الموقف قادني؟ هذا التمرين اليومي سيعمق وعيك، ويمنحك فرصة للتحسن المستمر. مارس لحظات من الصمت أو التأمل. حتى لو لخمس دقائق فقط. هذا الوقت يعيدك إلى مركزك، ويجعلك أكثر قدرة على الاستجابة بدل الانفعال. لأن الهدوء ليس غياب الضجيج، بل حضور الوعي.
مع الوقت، ستلاحظ أن توترك قل، وأن علاقاتك أصبحت أكثر نضجًا. ستصبح أكثر قدرة على التعامل مع المفاجآت، وأكثر هدوءًا في الأزمات. ستدرك أن الحياة لا تتحكم بك، بل أنت من يتحكم في كيف تعيشها. وربما، بعد أسابيع من الالتزام، ستجد نفسك أكثر اتزانًا، أكثر وعيًا، وأكثر قدرة على تحويل كل موقف إلى فرصة للنمو. ستبدأ في رؤية الحياة من زاوية مختلفة. لن تعود ضحية للظروف، بل صانعًا للمعنى. ستتوقف عن انتظار أن تهدأ الحياة، وستتعلم كيف تهدأ أنت وسطها. ستدرك أن القوة لا تعني الصراخ، بل الصمت الواعي. وأن النضج لا يعني غياب المشاعر، بل القدرة على توجيهها.
نظرية 10/90 ليست مجرد نسبة، بل مرآة تُظهر لك كم تملك من القوة، وكم من حياتك لا يزال في متناول يدك. هي تذكير بأنك لست مجرد متلق لما يحدث، بل صانع لما سيكون. لا تنتظر أن تُصفى الحياة من التحديات، بل تعلم كيف تُصفي داخلك من الفوضى. لأنك حين تختار ردك، تختار مصيرك. وكل يوم يمنحك فرصة جديدة لتكون أنت، لا مجرد انعكاس لما يحدث حولك.
حساب الكاتب: Instagram: hamadaltamimiii