النهار
بقلم - د. أحمد المنصوري
النجاح ليس صدفة.. لأنه خلف كل علامة تجارية ناجحة محرك صامت يصنع التميز ويقودها إلى النجاح ثم الريادة، ربما لا يُرى لكنه يُحدث الفرق، إنها منظومة داخلية تشمل عقولًا مبدعة وأنظمة ذكية وبيئة عمل متميزة، تمثل النبض الخفي الذي يحافظ على استقرار المؤسسة ويدفعها نحو الإبداع المستمر والتأثير الحقيقي في السوق، فهي ليست مجرد هياكل إدارية أو أدوات تقنية، بل منظومة فكرية حيوية تُحوّل الموارد إلى طاقة ابتكار، والرؤية إلى نتائج ملموسة، ومن هنا تنبثق القدرات التمكينية (Enabling Capabilities) باعتبارها المحرك الذي يغذي الأنشطة والعمليات التسويقية، لتجعل المؤسسة كيانًا حيًّا قادرًا على تحويل التحديات إلى فرص والطموحات إلى إنجازات.
ومن أجل فهم هذا المفهوم عمليًا، يمكن النظر إلى بعض العلامات التجارية العالمية التي جعلت منها أساسًا للريادة، فنجد مثلا شركة Toyota تُقدّم نموذجًا يُحتذى به عبر منهجية Kaizen للتحسين المستمر، التي جعلت الجودة ثقافةً مؤسسية لا مجرّد إجراءٍ تشغيلي، أما IBM فقد بنت تفرّدها على المعرفة والتحليل والذكاء المؤسسي، لتقدّم حلولًا رقمية واستشارية تتفاعل مع احتياجات العملاء حول العالم بمرونةٍ وابتكار، وكذلك تعتمد Intel على قدراتها التقنية والتصنيعية الدقيقة التي جعلت منها حجر الأساس في ثقة كبرى الشركات التقنية عالميًا، بينما أبدعت Dell في بناء تجربة ما بعد البيع، مقدّمة نموذجًا متكاملًا في إدارة التفاعل المستمر مع العملاء.
وكذلك برزت نماذج من العلامات التجارية السعودية التي تعكس فاعلية القدرات التمكينية مثل مجموعة عبداللطيف جميل للسيارات حيث تمتلك شبكة توزيع وصيانة تُترجم ثقة العملاء إلى علاقةٍ مستدامة تتجاوز حدود البيع، أما شركة النهدي الطبية فقد طورت منظومة رقمية ذكية للتواصل مع العملاء عبر قنوات متعددة، جعلتها أكثر قربًا من جمهورها، وأيضا شركة فيتنس تايم التي تعد من أكبر الشركات في مجال نوادي اللياقة البدنية في المنطقة، وتعتبر مثالًا ملهمًا في تسخير التقنية لمتابعة العملاء وتحفيزهم باستمرار، مما جعلها رائدة في إدارة التفاعل الرياضي المستدام، بينما تجسد شركة البحر الأحمر نموذجًا في الدمج بين الاستدامة والتقنية بمعايير عالمية، لتعيد تشكيل التجربة السياحية السعودية برؤية فريدة.
تُبرهن هذه النماذج العالمية والسعودية أن القدرات التمكينية ليست مجرد موارد أو أنظمة تشغيل، بل الركيزة التي تُبنى عليها القيمة التنافسية للمؤسسة، فهي التي تُحوّل المعرفة إلى أداء فعّال، وتُترجم الإمكانات إلى قيمة مضافة ، ومن خلال التكامل بين المعرفة والتقنية والإبداع، تنجح المؤسسات في تجاوز التوقعات وبناء تجارب عملاء ثرية تُرسّخ الثقة والولاء، مما يشجع المؤسسات على الاستثمار في تمكين كوادرها وتطوير أنظمتها، لإنها بذلك لا تواكب المستقبل فحسب، بل تصنعه بوعيٍ واستباقية، لتغدو أكثر استعدادًا للتطوير والتحسين المستمر، وتصبح أكثر تأثيرًا في أذهان وقلوب العملاء، وهنا يتجلى جوهر التمكين الحقيقي عندما توظف القدرات التمكينية لصناعة الريادة المؤسسية.