بقلم -د . أحمد بن سعد بن غرم الغامدي
المبدأ هو القيمة العليا الربانية التي تقوم على العدل والإحسان في كل شيء، فهو ليس فكرة بشرية قابلة للتأويل أو التبديل، بل هو نورٌ من أنوار الوحي، ومنهجٌ ربانيٌّ يستمد جذوره من أسماء الله الحسنى وصفاته العليا، لأن الله هو العدل وهو المحسن، وهو الذي أمر بهما معًا فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾، فكل مبدأ صادق لا بد أن يُبنى عليهما معًا، لأن العدل يحقق توازن الحقوق والعلاقات، والإحسان يرفعها إلى مقام الرحمة والفضل والجمال. وقد قال النبي ﷺ: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء»، فالمبدأ الحق هو الذي يفيض عدلًا في الحكم، وإحسانًا في السلوك، وجمالًا في المعاملة، وصدقًا في القول.
والمبدأ الرباني لا يتغير بتغيّر الزمان أو المكان، لأنه مستمد من الحق المطلق، ثابت كالسماء، باقٍ كبقاء النور. لذلك فالمبادئ لا تتجزأ، لأنها إن قُسّمت ضاعت حقيقتها، وإن مُسخت انطفأ نورها. فالمبدأ لا يقبل القسمة على اثنين، فإما أن يُؤخذ كله أو يُترك كله، والثبات عليه هو النور الذي لا تنطفئ شعلته في العتمة، ومن خالف مبدؤه خسر احترامه قبل أن يخسر مكانته، والمبدأ لا يتبدّل مع تبدّل المناخات أو تبدّل المصالح، لأنه كالعقيدة لا يُناقش عند التنفيذ، بل يُعمل به بإيمان، ومن جعل المبدأ تابعًا للهوى لم يبقَ له مبدأ ولا هوى مستقيم.
المبدأ الصادق لا يحتاج إلى تبرير بل إلى التزام، ولا تُقاس المبادئ بنتائجها بل بصدقها وثباتها، لأنها لا تُستعار من الأقوياء بل تُستمد من قوة الضمير، ومن خان مبدؤه خسر ذاته، ومن حافظ عليه امتلك العالم.
المبدأ لا يُؤجل إلى الغد، لأن التنازل المؤقت يصبح عادة دائمة، والذي يبرر الكذب باسم المصلحة لن يصدق حتى في الحق، والمبدأ هو العدل في خضم الهوى، والنزاهة في فوضى المصالح، ومن جعله سلاحًا ضد الناس فقد فقد روحه الأخلاقية، والمبدأ الذي لا يصمد أمام المغريات لم يكن يومًا مبدأً حقيقيًا، والصدق مع المبدأ هو جوهر الصدق مع الله والناس، ومن ثبّت مبدؤه في الشدائد رفع الله قدره في الرخاء، فهو سفينة النجاة في بحر المتغيرات، ولا ينهار إلا حين يتحول إلى شعارٍ بلا سلوك، لأن المبادئ لا تُحمى بالشعارات بل بالعمل اليومي الصادق الذي يبرهن عليها.
المبدأ لا يتجزأ لأنه كالنور، إن انطفأ جزء منه غاب كله.
هو خط الاستقامة الذي لا يعرف المساومة، والبوصلة التي لا تنحرف مهما اشتدت العواصف، ومن تمسّك بمبدئه عرف الطريق إلى الله والكرامة، ومن تخلّى عنه تاه في زحام المصالح.
المبدأ ليس رفاهية فكرية بل مسؤولية أخلاقية تتجدد في كل موقف، وكل يوم، وكل قرار، وهو ميزان الإنسان، وعنوان حضارته، وصدى ضميره الحي، ومن فقده فقد ذاته وإن ظن أنه ربح العالم
المبدأ لا يقوم على المصلحة، بل على الإيمان بالحق، فمن باع مبدؤه باع نفسه، ومن صانه صان الله له مكانته.
المبدأ هو عهد بين العبد وربه، وميثاق بين الإنسان وضميره، لا يتبدّل في الخلوة أو العلانية، لأن المبدأ هو الأمانة في الغيب، والوفاء في الحضور، والصدق في المعاملة، والثبات في الابتلاء.
من جعل مبدؤه وسيلة نفعٍ خسره عند أول امتحان، ومن جعله غايةً نجا، فالمبدأ لا يُقاس بما نربحه من ورائه، بل بما نُقدّمه في سبيله.
المبدأ لا يُجزّأ لأنه لا يعيش إلا كاملًا، كالحق لا يُؤخذ نصفه ولا يُترك نصفه الآخر، فالإيمان ببعضه كالكفر ببعضه، كما قال تعالى: ﴿أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟﴾.
فالإيمان بالمبدأ هو الإيمان بوحدته وتكامل أجزائه، فهو الصدق في القول، والعدل في الفعل، والرحمة في المعاملة، والوفاء في العهد.
وإذا كان الإنسان صادقًا في موطن، كاذبًا في آخر، فقد جزّأ الصدق. وإذا كان عادلًا مع القريب، ظالمًا مع البعيد، فقد جزّأ العدل. وإذا كان تقيًّا في المسجد، فاسدًا في السوق، فقد جزّأ الدين نفسه.
المبدأ هو الخط الفاصل بين النفاق واليقين، بين الزيف والصدق، بين المصلحة المؤقتة والحق الدائم.
من عاش بالمبدأ عاش ثابتًا وإن تكسّرت حوله الموجات، ومن عاش بغيره عاش مائعًا خلط الحق بالباطل.
المبدأ هو النور الذي يهدينا حين تغيب المصالح، والمرآة التي تفضح النفس حين تخون.
المبدأ الحق لا يتبدّل مع تبدّل القوة أو الرأي أو المجتمع، لأن مصدره الوحي لا الهوى، والحق لا يتغير بتغير الناس.
فمن باع مبدؤه للظروف عاش أسيرًا، ومن ثبت عليه صار حرًّا.
المبدأ لا يُؤخذ بالتقليد، بل يُبنى على الفهم والإيمان واليقين.
وهو لا يحتاج إلى صوت مرتفع، بل إلى ضمير نقيٍّ يعمل بصمتٍ في سبيل الله.
المبادئ لا تُبرر، بل تُمارس، ولا تُعلّق عند أول اختلاف، بل تُروى بالصبر والثبات حتى تثمر حقًّا وعدلًا.
من جعل المبدأ زينته أمام الناس ولم يجعله قاعدته في الخفاء، فقد خسره.
ومن جعله ركيزة حياته، نصره الله ولو بعد حين.
المبدأ هو القيمة العليا التي تحفظ إنسانية الإنسان وتربطه بخالقه، وهو الذي يجعله متوازنًا بين عقيدته وشريعته وسلوكه وسياساته، فلا تناقض بين الإيمان والعمل، ولا بين القول والفعل.
إنه العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن تمسك بها فقد استقام طريقه واطمأن قلبه وسكنت جوارحه.
فالمبادئ لا تتجزأ، لأنها إن تجزّأت ماتت، وإن انحرفت فقدت معناها، وإن تلوّنت صارت شعارات زائفة بلا روح.
من أراد النجاة فليلزم مبدؤه، وليجعل من ثباته إيمانه العملي، ومن التزامه برهانه الأخلاقي، فبالمبدأ تحفظ الأمانة، وتستقيم الحياة، ويُعرف الصادق من المتلون، ويعلو وجه الإنسان بنور الحقيقة الربانية.
الذين ينتظرون الشهادة على المبادئ من عديمي المبادئ لا مبادئ لهم!
فمن لا يملك مبدأ لا يستطيع أن يُنصف من يملكها، ومن كانت موازينه مختلة لا يُنتظر منه عدل في التقدير ولا صدق في الحكم.
المبدأ لا يُقاس برضا الناس، بل برضا الله، ولا يُقاس بتصفيق الجماهير، بل بثبات الضمير.
ومن رضي بالحق خالف الباطل ولو اجتمع عليه الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس.
وبعض نقص المبادئ الثانوية مع الاعتراف بها أنها من المبادئ هو نقص يحتاج إلى كمالٍ واجتهاد، أما نقص المبادئ الأصلية فهو ذهاب لكل المبادئ، لأن الأصل إذا سقط سقط معه الفرع.
فشتان بين من يجاهد لاستكمال المبادئ، ومن يهدمها أو يقف على الحياد منها، إذ لا حياد في الحق، فإما أن تكون مع المبدأ أو ضده، ومن تردد في المبدأ تاه عن الطريق.
وتتشوّه المبادئ إذا كان الثبات عليها يهدم غيرها، لأن المبدأ لا يُستعمل لهدم مبدأ آخر، ولا يُستغل لهضم حقٍ أو نيل منفعةٍ، فالمبدأ الصادق لا يتناقض مع نفسه، بل يُصلح ولا يُفسد، يُوحّد ولا يُفرّق، يُقيم العدل ولا يهدم الرحمة، لأنه منبثق من جوهرٍ واحدٍ هو الحق.