النهار
بقلم - جمعان الكرت
عرفت الشاعر الصديق حسن الزهراني عن قرب، من خلال سنوات العمل التي أمضيناها معًا في النادي الأدبي بالباحة، فضلًا عن الاجتماعات واللقاءات الودية، وصحبته في السفر داخل الوطن وخارجه، على امتداد يزيد عن عشر سنوات.
وخلال هذه المدة، أجدني أكثر أهلية لأن أقدّم ملمحًا موجزًا عن رجلٍ ازددت يقينًا أنه لا يشبه إلا نفسه، ففي شخصه يلتقي نُبل الإنسان وسمو الشاعر، ويتجلى مزيج نادر من الإنسانية الصافية والشاعرية النبيلة.
أول ما يلفتك فيه – وهو عندي الأهم – نقاؤه الإنساني؛ إذ لا يحمل في قلبه حقدًا ولا ضغينة لأحد، بل يسمو فوق الإساءة، ويتعامل مع من يسيء إليه بعفو الكريم وصفح الواثق، فيغدو محبوبًا لدى الجميع، صديقًا للجميع.
تراه يستقبل زوّار النادي الأدبي بابتسامته البيضاء المعهودة، تلك التي تُفتح بها القلوب قبل الأبواب، ويُحسن الإصغاء والحديث بلطفٍ وعمقٍ واتزانٍ يليق بمثقفٍ رفيع المقام.
عرفته بارًّا بوالديه، يذكرهما دومًا في دعواته، وينسج من حنينه إليهما قصائد خالدة تفيض صدقًا وعاطفة.
ويمكن استشفاف هذه الإنسانية العميقة من عناوين دواوينه الشعرية، ويأتي ديوانه «ريشة من جناح الذل» كأحد أهم الأعمال التي تجلّت فيها عاطفة الشاعر النقية، وهو ديوان كتبه لوالدته رحمها الله، في لحظة صفاء إنساني نادر.
يحمل الديوان تناصًا بديعًا مع قوله تعالى: «واخفض لهما جناح الذل من الرحمة»، وقد جاء من أصدق ما كتب شاعر عن الأمومة، مفعمًا بالصدق والحنين والجمال.
وقد كان هذا الصدق الفني والوجداني سببًا في اختيار وزارة التعليم لإحدى قصائده عن الأم ضمن مقررات مادة النصوص للصف الثالث المتوسط على مستوى المملكة، ليحفظها الطلاب ويدركوا من خلالها المستوى الرفيع للشاعر في الجانبين الفني والإنساني، وكأن حسن الزهراني أراد بقصيدته أن تكون نشيدًا خالدًا لكل الأمهات.
وكما كانت الأم مصدر إلهامٍ صادقٍ له، فقد كان الوالد – رحمه الله – أثرًا عميقًا في وجدانه، فقصيدته الرثائية في والده الشيخ محمد بن حسن الزهراني، التي بلغت واحدًا وسبعين بيتًا، حملت في كل بيت منها دلالات ثرية وفلسفة عميقة عن الحياة وزيفها، وكشفت عن علاقة روحية صافية بين الابن والأب، مليئة بالحب المتجذر في الشرايين، وبالحزن النبيل على الفقد والغياب.
تلك القصيدة أفصحت عن شاعرية فذة وموهبة متألقة، إذ يرى النقاد أن قصائد الرثاء هي الأصدق والأبلغ، لأنها تستمد وهجها من العاطفة الصادقة التي تفجّر الإبداع وتحوّل الأبيات الشعرية إلى نهر من الجمال يجري في ذاكرة الناس عبر السنين.
وقد أثرى شاعرنا المكتبة العربية بعدد من الدواوين المتميزة، منها:
قبلة في جبين القبلة – تماثل – صدى الأشجان – أوصاب السحاب – ريشة من جناح الذل – قطاف الشغاف – فيض المشاعر. وغيرها
وهي دواوين تنبض بفلسفة عميقة، ورؤى ناضجة، وتجارب حياتية ثرية، وصور بلاغية آسرة، ما أهّله ليكون في الصف الأول من شعراء الوطن العربي.
أما وطنيته الصادقة، فقد عبّر عنها في ديوانه «قبلة في جبين الوطن»، الذي جاء وثيقة حب نبيلة، تُسطّر انتماءه العميق وإخلاصه لهذا الوطن العظيم.
ولعل التكريم الذي ناله باستحقاق في إمارة الشارقة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، يأتي تتويجًا لمسيرةٍ إبداعيةٍ حافلةٍ بالجمال والرصانة والبهاء، ومسارٍ شعريٍّ زاخرٍ بالعطاء والضياء.
فقد استطاع الزهراني أن يرسخ حضوره في المشهد الثقافي العربي بما يملكه من فكرٍ ناضجٍ، ولغةٍ رشيقةٍ، وإبداعٍ مؤتلقٍ، حتى ليُقال بحق: إن حسن الزهراني خُلق ليكون شاعرًا بالفطرة، وجُبل على الشعر كما يُجبل الماء على الصفاء.
ولا يمكن الحديث عن نجاحات النادي الأدبي بالباحة دون الإشارة إلى بصماته الواضحة، إذ كان النبل الذي يتسم به، والإنسانية التي يتحلى بها، من أهم أسباب نجاح مهرجانات الشعر وملتقيات القصة والمسرح التي نظمها النادي خلال سنوات عطائه.
حسن الزهراني يحمل قلبًا أبيضَ مشعًّا بالود، وطباعًا هادئة، وحديثًا بليغًا، وثقافة واسعة، وخلقًا رفيعًا، وهو بحق مدرسة متميزة في الإلقاء الشعري، يُحسن تطويع اللغة، ويجيد مخاطبة الوجدان.
وباختصار، من أراد أن يتغلغل في وجدان هذا الشاعر الكبير، ويبحر في قلائده الذهبية، ويتأمل روعة صوره البلاغية، فليقرأ حسن الزهراني من خلال دواوينه الشعرية.
متع الله شاعرنا بالصحة والعافية، وأدام عليه السعادة،
والأجمل من ذلك أنه يُجير نجاحه لزوجته الوفية التي وقفت معه وساندته في مسيرة حياته،
فهو شاعر بحجم وطن، وإنسان بحجم قلبٍ لا يضيق بأحد.