النهار
بقلم - جمعان الكرت
في كل مدرسة هناك قلبٌ نابض يضخ الحياة في شرايينها، يوجّه مسارها ويشعل في أروقتها وهج الطموح.
إنه مدير المدرسة القائد التربوي الذي لا تقتصر مهامه على الإدارة والتوقيع بل تمتد إلى صناعة بيئةٍ حافلةٍ بالحيوية والإبداع واحتضان العقول الصغيرة حتى تزهر وتثمر.
قد يكتفي بعض المديرين بأداء واجباتهم وفق ما تنص عليه لوائح وزارة التعليم فيسير العمل في مدرستهم بانضباط شكلي يخلو من روح التجديد.
غير أن هناك من يتجاوز السطور والأنظمة إلى فضاء الرؤية والإلهام فيصوغ مدرسته مشروعًا تربويًا متكاملاً ويجعل منها حديقةً للتجربة ومنارةً للفكر ومجتمعًا صغيرًا تتجلى فيه قيم الوطن وطموح المستقبل.
وهنا يتبدّى الفارق بين مديرٍ وآخر وبين مدرسةٍ تضيء وأخرى تكتفي بالبقاء.
المدرسة ليست جدرانًا أو مقاعد أو مناهج تُلقَّن بل قيم تُغرس وسلوك يُهذَّب وفكر يُنمَّى .
والمدير الواعي يدرك أن بناء الإنسان يبدأ من تعزيز السلوك الإيجابي وتفعيل الحوار الهادف وتنمية مهارات التفكير والابتكار وخلق بيئةٍ تربويةٍ جاذبةٍ تزرع في الطالب حبَّ التعلم والبحث والمعرفة.
ويقول خبراء الجودة إن المجتمع المحيط هو المقياس الحقيقي لمستوى المدرسة فهو المرآة التي تعكس جودة العمل ومصداقية الجهود.
فحين يغادر الطالب أسوار مدرسته تبدأ رحلة التقييم الواقعية في مدى قدرته على التكيف مع الحياة، والتعبير بثقة والتفكير بعمق والمشاركة في بناء وطنه.
لكننا نلحظ تفاوتًا في المخرجات بين مدرسة وأخرى بل بين صفٍّ وآخر في المدرسة الواحدة مما يطرح سؤالاً مشروعًا حول مستوى القيادة المدرسية ومدى تمكّنها من أدوات التطوير والتقييم الذاتي.
من هنا تبرز الحاجة إلى أن تتبنى الإدارات التعليمية على مستوى المملكة مقاييس موضوعية لتقويم المخرجات التعليمية لا بهدف المحاسبة فحسب بل من أجل التمكين والتطوير وإعادة صياغة دور مدير المدرسة بوصفه قائداً تربوياً لا مراقب دوامٍ إداري.
فالقائد الحقيقي هو من يحفّز المعلمين ويصنع فرق العمل وينظم اللقاءات التربوية والورش التدريبية التي ترفع من جودة الأداء وتخلق بيئة عملٍ مفعمة بالاحترافية والعطاء.
إن مدير المدرسة هو العمود الفقري في البناء التربوي وعليه تتكئ منظومة التعليم.
ومن خلاله يمكن أن تتحول المدرسة من نمطيةٍ جامدة إلى كيانٍ نابضٍ بالحياة قادرٍ على صناعة جيلٍ يجيد التفكير والتعبير لا مجرد الحفظ والتلقين.
ويبقى الأمل أن تُولي وزارة التعليم اختيار مديري المدارس أهميةً قصوى بعيداً عن المجاملة أو الاعتبارات الشكلية، وأن يُمنح المدير تدريبًا مستمرًا على أحدث الأساليب الإدارية والتربوية والفنية لأن القيادة المدرسية ليست منصبًا بل رسالة ووعي ومسؤولية وطنية في صناعة الإنسان وبناء المستقبل.