النهار
بقلم - سلمان المشلحي
في زمنٍ تتوافر فيه المعرفة بأيسر السبل، يبرز السؤال الملحّ: هل أدركنا حقًّا قيمة هذه النعمة، أم أننا أضعناها في زحام الرفاهية؟
في الأمس القريب، كنا نطوف المكتبات كمن يبحث عن كنزٍ مفقود، نستنشق عبق الورق، ونتسابق لاقتناء الكتب والمجلات، نقرأها من الغلاف إلى الغلاف بشغفٍ لا يهدأ، ونعيد قراءتها مراتٍ ومرات، لأن كل صفحةٍ كانت نافذةً على العالم.
كان التعليم آنذاك حلمًا عزيزًا لا يناله إلا من جدّ واجتهد، وتحمّل عناء السفر والتكاليف في زمنٍ محدود الفرص وشحيح الموارد.
أما اليوم، فالعالم مفتوحٌ على مصراعيه، وأصبحت المعرفة في متناول الجميع، بضغطة زر تُفتح أمامك آلاف المحاضرات والجامعات والمصادر العلمية، ومع ذلك نرى من يُهدر هذه النعمة الثمينة، ويقضي ساعاتٍ طويلة بين تسليةٍ فارغة ومحتوى لا يزيده إلا غفلة.
وما يؤلمنا أن نرى بعض أبنائنا اليوم يمرّون بجوار المعرفة مرور الكرام، يبحثون عن الأسهل لا الأجدى، وعن المتعة لا الفائدة، وكأنهم في سباقٍ نحو تضييع الفرص، لا يولون التحصيل العلمي أي اهتمام، ولا يكلفون أنفسهم عناء الغوص في المعلومة أو تمحيصها، بينما أقرانهم في دولٍ أخرى يتمنّون ما تهيأ لأبناء هذا الوطن من تعليمٍ متطور، وتقنيةٍ متقدمة، وجامعاتٍ تزود طلابها بأحدث ما ينتجه العقل البشري من علوم ومعارف.
لقد أولت المملكة العربية السعودية التعليم عنايةً استثنائية، وجعلته أولوية وطنية، فوسّعت الجامعات، وأطلقت برامج الابتعاث، وسخّرت التقنية لتذليل العقبات أمام أبنائها، ليكونوا قادرين على المنافسة والإبداع في مختلف الميادين.
وعلينا أن نعلم أن كل فرصةِ تعليمٍ هي هبةٌ تستحق الشكر، فما تبذله الدولة من جهودٍ وميزانياتٍ ضخمةٍ في سبيل بناء الإنسان يجب ألا يُقابل إلا بمسؤوليةٍ مضاعفةٍ على كل طالبٍ وطالبة، فإهدار الوقت والفرص لا يعني خسارةً شخصية فحسب، بل خسارةَ وطنٍ ينتظر من أبنائه الإسهام في رفعته وتقدّمه.
إن طريق المستقبل لا يُرسم بالترف والكسل، بل بالعلم والعمل، وبالإحساس العميق بأن كل لحظةٍ في قاعات الدراسة هي لبنةٌ في بناء الوطن، وكل معلومةٍ تُكتسب هي خطوةٌ نحو غدٍ أجمل.
واثقون بأن في داخل كل طالبٍ سعودي قدرةً كامنةً على الإبداع والتميّز متى ما استشعر مسؤوليته تجاه نفسه ووطنه، فالوطن لا ينتظر الأعذار، بل ينتظر الإنجاز.