النهار

١٨ اكتوبر-٢٠٢٥

الكاتب : النهار
التاريخ: ١٨ اكتوبر-٢٠٢٥       8690

بقلم - علي بن عيضة المالكي

يُعَدُّ اختيار الأئمة والخطباء من أعظم المسؤوليات الدينية والوطنية، لما يحمله هذا الدور من أثرٍ بالغٍ في توجيه الفكر، وبناء الوعي، وترسيخ القيم الإسلامية السمحة في المجتمع.

فالمسجد هو منبر النور والإصلاح، والإمام والخطيب هما لسان الدعوة ومفتاح الهداية، ومن هنا تأتي أهمية العناية الدقيقة بانتقاء من يتولى هذا الشرف العظيم.

وبالرغم من الجهود التي تبذلها الوزارة المعنية باختيار الأئمة والخطباء إلا أنه مازال هناك طريق طويل أمام المسؤولين فيها يتعين فيه ـ عليهم ـ العمل باستمرار على تطوير منظومة اختيار من يقوم بإمامة الناس والخطابة فيهم.

لذا لا يجب أن يتوقف دور الوزارة عند مرحلة الاختيار، إنما يجب أن يمتد إلى الإشراف المستمر والتقويم الدوري للخطاء والأئمة، لضمان جودة الرسالة الدعوية، ومواكبة المتغيرات الفكرية والاجتماعية بروح الحكمة والاتزان. فالإمام والخطيب ليسا مجرد موظفين، لكنهما قدوة ومربين وموجّهين، يسهمان في ترسيخ الأمن الفكري، وتعزيز القيم الوطنية، وتقوية الروابط بين أفراد المجتمع.

إنّ اختيار الأئمة والخطباء ليس إجراءً إداريًا فحسب، يجب أن يعرف الجميع هذا ! إنما هو تكليف شرعي ومسؤولية وطنية، هدفها أن يبقى المنبر صوتًا للحق، ومنارةً للهداية، ومصدرًا لبث روح الوسطية والاعتدال. ولكي تظل المساجد مراكز إشعاع ديني وفكري تسهم في بناء الإنسان الصالح والمجتمع الواعي.

نقترح بناء منظومة عمل تقوم على ثوابت وقواعد راسخة تساهم في اختيار الأئمة والخطباء على أساس الكفاءة والقدوة وتوضع معايير صارمة لاختيار المعنيين بإمامة الناس:

أولًا: تطوير آلية الاختيار

هناك حاجة ماسة لإنشاء لجان علمية متخصصة تضم علماء شرعيين، وأكاديميين، وخبراء في الخطابة لتقييم المرشحين بموضوعية يعتمدون فيه على نظام نقاط أو تقييم رقمي يشمل الجوانب العلمية، الصوتية، والمهارية للمرشحين لضمان العدالة والشفافية ثم بعدها يأتي دور إجراء مقابلات علنية مسجلة عبر المنصات الرسمية ليكون هناك توثيق وتحسين مستمر لمعايير الاختيار.

ثانيًا: رفع الكفاءة العلمية والمهارية

تقوم لجنة اختيار الخطباء والأئمة بإلزام المرشحين بدورات تدريبية تأهيلية في علوم الشريعة، واللغة العربية، وفن الإلقاء قبل استلامهم مهامهم، وبعد ذلك تأتي مهمة تطوير برنامج "الإمام المتجدد" لتدريب الأئمة والخطباء سنويًا على التعامل مع القضايا المعاصرة (كالأمن الفكري، والأسرة، والتربية الرقمية).

ثم إن التعاون مع الجامعات الإسلامية في تقديم برامج دبلوم متخصصة في الإمامة والخطابة يعد تطويرًا لهذا المنصب الشرعي الهام

ثالثًا: الاهتمام بالجانب الشخصي والسلوكي 

إجراء اختبارات نفسية وسلوكية للمتقدمين والاستعانة على هذا الشرط بخبراء في علم النفس ومتخصصين في علم النفس السلوكي يستخدم فيها المقاييس النفسية والسلوكية المتقدمة ( مقياس الغضب والتوتر ، مقياس الاتزان الانفعالي ، اختبارات الشخصية المتوازنة ويتضمن أسئلة على الانفتاح على الآخرين ، والوعي الذاتي ، والتوافق العاطفي ، والمسؤولية والانضباط ثم تحلل النتائج آليًّا ) للتأكد من توازن الشخصية وقدرتها على التأثير الإيجابي ودراسة تاريخها وتوجهاتها ومدى قدرتها على تقديم النفعية للمجتمع هذا المعيار يمكن تطبيقه والاستدلال عليه أيضا بإشراك المجتمع المحلي عبر استطلاع آراء المصلين حول أداء الإمام أو الخطيب قبل فترة التعيين هذا من شأنه تعزيز مفهوم القدوة الحسنة في التعاملات والانضباط والتقيد بأوقات الفروض وتأديتها في وقتها وضمان عدم تأخيره الناس عن أعمالهم ومسؤولياتهم الأخرى .

كما أن التحقق من موقف المتقدمين الاجتماعي والتربوي ضرورة حتمية من خلال طلب تقديمهم لورش عمل عن الأخلاق القيادية والسلوك الدعوي بما لا يقل عن خمس ورش عمل لا تقل ساعاتها عن خمسين ساعة موثقة على المنصات الدعوية.

رابعًا: الاستفادة من التقنية

من ضمن الاقتراحات إطلاق منصة إلكترونية وطنية لتقديم طلبات الإمامة والخطابة، تتيح رفع السير الذاتية، وملفات الصوت، ومقاطع الفيديو لتقييم الأداء واستخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل الخطابات السابقة للمرشحين، وقياس جودة اللغة، والأسلوب، ومدى التزامهم بالوسطية.

ذلك يعني بناء قاعدة بيانات وطنية للأئمة والخطباء المميزين، تُسهم في توزيعهم على المساجد وفق احتياجات المناطق.

خامسًا: التحفيز والتقييم المستمر

إطلاق جائزة سنوية للإمام والخطيب المتميز تشجع التنافس الشريف وتكرّم المبدعين في الميدان الدعوي يصاحبه تقييم دوري للأداء الميداني مع خطط تطوير فردية لكل إمام وخطيب وربط الترقيات والمكافآت بالأداء المتميز والالتزام بالبرامج التطويرية.

آخر القول:

نحن أصبحنا بحاجة شديدة لإنشاء مركز متقدم يعني بتقييم الخطباء والأئمة من كافة النواحي الأخلاقية والنفسية والدعوية وإدراج مادة الاتزان السلوكي في العمل الدعوي ضمن برامج التأهيل قبل وبعد التعيين، كما أننا بحاجة إلى أداة تقييم ميدانية مقننة تتابع أداء الأئمة والخطباء يقوم عليها فريق متخصص من جهاز لا يتبع للوزارة بل يكون شريكًا معها في تقييم أداء منسوبيها في المساجد والجوامع.