النهار
بقلم - أحمد صالح حلبي
لم أكن شاعرا أو قاصا ، بل متذوقا للشعر وعاشقا لجمال كلماته ، وحسن بلاغته ، أقلب بين الفينة والأخرى صفحات الكتب التي تحملها مكتبتي الجامعة بين التاريخ والأدب ، لاستخرج منها ما يسر فؤادي من معلومة مدونة ، أو شعر محفوظ .
وحينما برزت أمامي سيرة معالي الدكتور عبد العزيز بن محيي الدين خوجة ، المولود بمكة المكرمة عام 1361 هــ / 1942 م ، أعادتني الذاكرة لسنوات قليلة مضت فتذكرت قوله في لقاء صحفي نشر أواخر نوفمبر 2023 قال فيه عن مكة المكرمة ، " مكة هي الأساس ، مكة هي المنشأ، هي الولادة، هي الإقامة، هي الأصل، هي الأهل، وإذا ما ذكرنا مكة يجب ألا ننسى أن مكة هي أقدس بُقعة في العالم كله، فمكة هي الشرف، هي مهبط الوحي، هي ولادة الرسول -صلّ الله عليه وسلم-، هي الحرم الشريف، هي الكعبة، هي مأوى أفئدة العالم كله من المسلمين المنتشرين في كل مكان، حينما ينشأ الإنسان في مكة، ويعرف أن أصوله مكيّة عريقة يشعر دون شك بانتماءٍ وفخر، ولا أستطيع أن أقارنها بأي مدينة أخرى إلا بتوأمتها المدينة المنوّرة، حيث مثوى الرسول -صلّ الله عليه وسلم- " ، مترجما بهذا ما سجله الشاعر الإنسان محمد حسن فقي من عشق لمكة المكرمة بقوله :
مكّتي لا جلالٌ على الأرضِ
يداني جلالَها أو يفوقُ
ما تبالينَ بالرشاقةِ و السحرِ
فمعناكِ ساحرٌ و رشيقُ
سجدت عندهُ المعاني فما
ثمَّ جليلٌ سواهُ أو مرموقُ
و مشى الخلدُ في رحابِكِ مختالاً
يمدُّ الجديدُ منهُ العتيقُ
أنتِ عندي معشوقةٌ ليسَ يخزي
العشقُ منها و لا يُضِلُّ الطريقُ
ما أُباهي بالحسنِ فيكِ
على كثرة ما فيكِ من مغانٍ تشوقُ
وما وصفه الشاعر السوري محمد رفعت زنجير من تغير حاله حينما بدت أمامه مكة المكرمة فقال :
قلبِي يَذُوبُ إِلَيكِ مِن تَحْنَانهِ
وَيَهِيمُ شَوقاً في رُبَاكِ وَيَخْضَعُ
فَإذا ذُكِرتِ فَأَدمُعِي مُنْهَلَّةٌ
وَالنَّفْسُ مِن ذِكْراكِ دَوْماً تُوْلَعُ
وَإِذا خَلَوتُ إِلَيكِ كَانتْ وِجْهَتِي
فَالرُّوحُ فِيكِ أَسِيرَةٌ، لا تَشْبَعُ
وَإذا وَقَفْتُ مُناجِياً وَمُصَلِّياً
كَانَتْ بِنَفْسِي دَعْوَةٌ أَتَضَرَّعُ
يَا لَيْتَنِي في حُبِّهَا مُسْتَشْهِدٌ
كمْ كُنْتُ مِن عِشقِي لَها أَتَوَجَّعُ
أَنا إنْ حُرِمْتُ إقَامةً في مَهْدِها
يَا لَيْتَ رُوحِي فِي ثَرَاهَا تُنْزَعُ
والدكتور عبدالعزيز الذي عشق الشعر في صباه وتحديدا في المرحلة المتوسطة ، كما قال في لقاء صحفي نشر في أغسطس 2022 ، وأبرزه في قصيدة عنونها بــــ " بماذا أخط جوابي ، بحيرتي أم عذابي " ، قال في اللقاء الصحفي " تعرفت على المحرر في صحيفة (قُريش) علي مهدي الشنواح ، وأسمعته القصيدة، فأخذها للأستاذ أحمد السباعي، فطلبني، وذهبتُ إليه، وسألني: القصيدةُ لك، فأجبته: نعم، فقال: هذه قصيدة موزونة على البحر المتقارب، وتكرّم بنشرها، ونصحني بحفظ الشعر العربي، لبناء الذائقة، وأكد أن الموهبة حاضرة لكنها تحتاج رفدا بالقراءة والاطلاع ".
أقول رغم ذلك العشق المبكر إلا أنه تحول صوب الكيمياء لتكون مقصده العلمي فيدرس مركباتها الجزيئية ، والعضوية ، وغير العضوية .
وفي الجانب الآخر يقرأ الشعر ويتعرف على بحوره ، وتفاعيله ، وأنواعه ، وأغراضه ، متخذا مسارين مختلفين ، العلم طريقا ، والشعر رسالة .
وبين هذا وذاك حقق أهدافه ونال ما تمنى ، فأوصله العلم لأعلى الدرجات والمناصب ، وصدح بشعره العديد من المطربين من أبرزهم المطرب السوري صباح فخري أحد اشهر فناني الوطن العربي ، إذ غنى له قصيدة " انتهينا " كما غنّى له " إليك قيادي " ، والتي يقول في مطلعها:
أغمضتُ عيني كي يراكِ فؤادي
فسمـعـتُ أهـاتـي عليـكِ تـنـادي
أدركــتُ أنـّـي فــي هــواكِ مـتـيّـمٌ
وعرفـتُ أنـكِ غايـاتـي ومــرادي
وشعرتُ أنواراً تشعُّ بخاطري
ويداً تُربّتُ خافقي بــــــــــــــــــــــودادٍ
كما غنّت له المغنية المغربية فدوى المالكي واللبناني معين الشريف ، والمصري محمد ثروت ، والمغربي عبد الوهاب الدكالي ، والسعودي عبادي الجوهر الذي غنى له " إليك قيادي " والتي يقول فيها:
أغمضتُ عيني كي يراكِ فؤادي
فسمـعـتُ أهـاتـي عليـكِ تـنـادي
أدركــتُ أنـّـي فــي هــواكِ مـتـيّـمٌ
وعرفـتُ أنـكِ غايـاتـي ومــرادي
وشعـرتُ أنـواراً تشـعُّ بخـاطـري
ويـــداً تُـَربّــتُ خـافـقـي بـــــــــــودادٍ
أفنيـتُ نفسـي فـي ضيائـكِ نشـوةً
وإلـيـكِ يــا أمـلـي تـركـتُ قـيـادي
أيقنتُ أن الأنـسَ فـي هـذا الهـوى
والحبَّ فـي عينيـكِ خيـرُ جهـادِ.
كما غنت له المطربة والمؤلفة الموسيقية اللبنانية هبة القواس العديد من القصائد منها قصيدة " الغريب " وكذلك " سبحان من خلق… " والتي يقول فيها:
سبحانَ مَنْ خَلَقَ القُلوبَ لكي تُؤانِسَنا بـآه
وتذوبَ منْ وَجْدٍ
على ألِفٍ ولامٍ ثُمَّ لامٍ ثمَّ آهْ …
سبحانَ ربّي في عُلاهُ وفي سَناهْ
أسرى بِقَلبي…
وفي الختام أقول إن معالي الدكتور عبد العزيز خوجة الذي غازل الشعر وعشقه منذ صباه ، وترجم عشقه في العديد من القصائد ، ها نحن نراه يقول :
أنا المجذوبُ والمجنونُ والعاشقْ
أنا الدَّرويشُ لا شاكٍ ولا آبِقْ
أنا الشِّرِّيدُ، لا المطرودُ، لا المارقْ
أنا الباكي على الأبوابِ لا السَّارقْ
أنا الشّحّاذُ هل مَن يَسمعُ الطّارقْ؟
أنا المأخوذُ في عينينِ كَالبارقْ