النهار

١٨ اكتوبر-٢٠٢٥

الكاتب : النهار
التاريخ: ١٨ اكتوبر-٢٠٢٥       5665

بقلم - حمد حسن التميمي 

منذ أن بدأ الإنسان يعي وجوده، بدأ يسأل عن الزمن. ما هو؟ هل هو شيء نعيشه؟ أم شيء يمر بنا؟ هل نحن من يصنعه؟ أم هو من يصنعنا؟ في الفلسفة، كان الزمن لغزًا لا يُفك بسهولة. أفلاطون رآه انعكاسًا للحركة في الكون، وأرسطو اعتبره مقياسًا للتغير. أما القديس أوغسطين، فقال: "إذا لم يسألني أحد عن الزمن، فأنا أعرفه. وإذا سألني، لا أستطيع شرحه." وهذا بالضبط ما يجعل الزمن مادة خصبة للتأمل: هو مألوف وغامض في آن واحد.

لكن الفلسفة، رغم عمقها، ظلت تدور حول الزمن كفكرة مجردة. أما القرآن الكريم، فقد قدم للزمن حضورًا حيًا، نابضًا، مرتبطًا بالغاية والعبادة والمصير. لم يكن الزمن في القرآن مجرد إطار للأحداث، بل كان جزءًا من المعنى نفسه. يقول الله تعالى: "والعصر، إن الإنسان لفي خسر"، وكأن الزمن هنا ليس فقط وقتًا، بل شاهدًا على الخسارة والنجاة. ويقول: "يوم عند ربك كألف سنة مما تعدون" ، في إشارة إلى أن الزمن ليس مطلقًا، بل نسبي، يختلف باختلاف المنظور الإلهي والإنساني.

القرآن لا يقدم الزمن كمعادلة فيزيائية، بل كقيمة وجودية. الليل والنهار ليسا فقط تعاقبًا ضوئيًا، بل آيتان للتفكر، ومواقيت للعبادة، ومراحل للنضج. حتى اللحظة العابرة، كـ"لمح البصر"، لها وزنها في النص، وتُستخدم لتصوير قدرة الله وسرعة تدبيره. الزمن في القرآن ليس محايدًا، بل موجه، يحمل رسالة، ويقود الإنسان نحو إدراك الغاية.

وفي حياتنا، نحن نعيش بين هذين التصورين. نركض خلف الوقت كما لو كان خصمًا، وننسى أنه قد يكون حليفًا إذا فهمناه. نخطط، نؤجل، نندم، ونحلم… وكل ذلك داخل إطار زمني لا نملك التحكم فيه، لكننا نملك أن نملأه بالمعنى.

ومع تطور العلم، بدأنا نرى الزمن كبعد رابع، كنسيج يمكن أن ينحني، كما في نظرية النسبية. لكن حتى هذه النظريات، رغم دقتها، لا تُجيب عن سؤال الإنسان العميق: لماذا نشعر بالزمن؟ لماذا نخاف من مروره؟ لماذا نربط الذكريات به، ونقيس الحب بطوله، والحزن بثقله؟

ربما المستقبل سيحمل لنا فهمًا جديدًا للزمن. ربما سنصل إلى لحظة لا يكون فيها الزمن مجرد عقرب على ساعة، بل تجربة داخلية يمكن تشكيلها. وربما، كما يقول بعض الفلاسفة، الزمن ليس شيئًا نعيشه، بل شيء نكونه.

لكن وسط كل هذه الاحتمالات، يبقى الزمن في القرآن هو الأقرب إلى القلب: لأنه لا يُقاس فقط بالدقائق، بل بالنية، بالعمل، وبما نتركه خلفنا. الزمن ليس ما مضى، بل ما بقي في الأثر.

فهل نحن نعيش الزمن؟ أم أننا نُخلق فيه من جديد كل يوم؟ وهل يكفي أن نمرّ به؟ أم يجب أن نترك فيه بصمة؟ الزمن، في النهاية، ليس سؤالًا علميًا فقط، بل دعوة للتأمل في معنى الحياة نفسها.