النهار
بقلم ـ جمعان الكرت
أبارك للقائمين على هذه المبادرة المتميزة المتمثلة في تكريم قامة شعرية سامقة، هو البروفيسور عبد الواحد سعود الزهراني، وإن دلّ ذلك على شيء فإنما يدل على وعي المجتمع بأهمية تكريم رموزه المبدعين وتوثيق مسيرتهم، والمحتفى به يمتلك رصيدًا شعريًا باذخًا، إلى جانب نجاحه الأكاديمي الذي يُعد مكسبًا ثقافيًا يضاف إلى مكاسبه الشعرية.
أستطيع القول إنني على صلة وثيقة بنتاجه منذ مراحله المبكرة، فقد أجريت معه لقاءً صحفيًا حين كان لا يزال طالبًا في المرحلة الثانوية، وقد لفت انتباهي حينها بذكائه ونبوغه الشعري، وإجاباته العميقة التي كشفت عن موهبة استثنائية.
ولا أنسى مشاركته في إحدى الأمسيات بقرية الحازم برغدان، حين اختبره الشاعر الكبير محمد الغويد – رحمه الله – بقصيدة مطولة، فكان رد عبد الواحد حاضرًا، محكمًا، وموازيًا للبدع، وسط إعجاب الحاضرين ودهشتهم.
ومنذ ذلك الوقت استمر حضوره المتميز في المناسبات الاجتماعية والوطنية والأفراح، مقدمًا قصائد تلامس هموم الناس وشجونهم، وتترجم آمالهم وطموحاتهم، لتبقى رسائل شعرية ذات قيمة ثقافية واجتماعية راسخة.
ورغم انشغالاته الأكاديمية، فقد واصل العطاء حتى نال درجة الدكتوراه، جامعًا بين التفوق العلمي والموهبة الشعرية.
الدكتور عبد الواحد الزهراني واحد من أبرز الأصوات الشعرية الشعبية في وطننا الغالي، استطاع أن يعبّر بصدق عن مشاعر الناس، وأن يوظف المفردة الراقية بمهارة، لينسج قصائد رائعة يتداولها الناس في مجالسهم ويستشهدون بها في سمرهم. ولعلّ ما يميزه هو قدرته على صناعة الدهشة من خلال الصورة الشعرية المبتكرة.
ومن النصوص الباذخة التي توقفنا أمامها قوله:
«عندما يتعانق الغيم والبارود
والتقى صوت المقاميع والرعود
كن سطح الأرض ما تنبت إلا بندق
والسماء ما تمطر إلا عماريه»
في هذه الأبيات يمزج الشاعر بين الغيم والبارود، في صورة مدهشة تجمع بين التفاؤل الممزوج بالمطر، والعنف الكامن في الرصاص. ثم ينتقل إلى مشهد آخر حين تتعانق أصوات المقاميع مع الرعود، في إيحاء مرعب، قبل أن يصوغ لوحة مبتكرة تُصوّر الأرض وقد أنبتت البندق، والسماء وهي تمطر بالعمارية، مدحًا مغايرًا يرقى لمستوى الرمز الاجتماعي والإنساني.
إنه شاعر متفرد يكتب خارج السياق المألوف، ويجعل من قصيدته نافذة على الجمال والدهشة، ليبقى الدكتور عبد الواحد الزهراني علامة بارزة في سجل الشعر الجنوبي، وأحد الأصوات التى أثرت وجدان الناس، وارتقى بالكلمة إلى ذُرَى الإبداع.