النهار
بقلم - حذامي محجوب
لم يكن توقف الحرب في غزة مجرد هدنةٍ عابرة، بل تحوّلاً تاريخياً حمل بصمة القيادة السعودية، ورؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي نجح في أن يجعل من صوت الحكمة أقوى من هدير المدافع، ومن منطق العقل بديلاً عن منطق القوة. في زمنٍ كانت فيه المنطقة على شفا حربٍ شاملة، قادت السعودية المسار نحو السلام، وأعادت فلسطين إلى قلب المعادلة العربية والدولية، لا كورقة ضغط، بل كقضية تحرّر وعدالة إنسانية.
منذ اللحظة الأولى لاشتعال النار في غزة، تحركت الدبلوماسية السعودية بخطى واثقة، وقراءة استراتيجية عميقة. لم يكن الموقف السعودي ردّ فعلٍ على الغضب، بل فعل دولةٍ تدرك أن استقرار الشرق الأوسط لا يُبنى على حساب الشعوب، ولا على أنقاض المدن المدمّرة. وبينما انشغل العالم بصخب الحرب، كانت الرياض تعمل بصمتٍ ومسؤولية، تجمع الخيوط المقطوعة بين عواصم القرار، وتعيد ترتيب الأولويات على طاولة القوى الكبرى.
مارست المملكة نفوذها السياسي والاقتصادي بذكاء، لتثبّت معادلة واضحة: لا أمن بلا عدل، ولا سلام من دون فلسطين. لقد أعادت السعودية التوازن إلى النقاش الدولي، فحوّلت البوصلة من صراعٍ عسكريٍ عقيم إلى مسارٍ سياسيٍ واقعي، هدفه بناء دولة فلسطينية مستقلة وضمان استقرارٍ دائم للمنطقة.
في تلك اللحظة، أثبت الأمير محمد بن سلمان أن القيادة الحقيقية لا تُقاس بالشعارات، بل بالقدرة على اتخاذ القرار حين يصمت الآخرون. أدار الأزمة ببرودة أعصاب القائد، وبحرارة الإيمان بعدالة الإنسان، فكانت النتيجة إنقاذ المنطقة من فتنةٍ كبرى، وإعادة الأمل إلى الفلسطينيين بأن قضيتهم لم تغب عن ضمير الأمة، ولا عن وجدان قيادةٍ ترى في العدالة التزاماً لا شعاراً.
لقد تذكّر العالم مجدداً أن السعودية ليست مجرّد دولةٍ في الشرق الأوسط، بل ركيزة توازنٍ في معادلاته الكبرى، تجمع بين القوة والحنكة، بين الواقعية والطموح، بين الإيمان بالحقّ والقدرة على صناعته. واليوم، بعدما وضعت الحرب أوزارها، يمكن القول بثقة: الانتصار الحقيقي لم يكن عسكرياً، بل سياسياً وأخلاقياً، هو انتصار للرؤية السعودية التي جعلت من السلام مشروعاً ممكناً، ومن صوت الرياض مرادفاً للعقل والاستقرار.