النهار
بقلم - نانسي اللقيس
في خضمّ تحولات جيوسياسية متسارعة، تبرز المملكة العربية السعودية كقوة إقليمية لا تكتفي بتثبيت أركان استقرار الطاقة والاقتصاد فحسب، بل تمضي بخطوات واثقة لتُعيد تشكيل هويتها العالمية عبر أدوات القوة الناعمة.
إن ما نشهده اليوم من طفرة في الأنشطة الثقافية والمعرفية والتقنية الكبرى ليس مجرد فعاليات عابرة، بل هو تجسيد استراتيجي وفعلي لـ رؤية 2030 الطموحة.
إن تحوّل العاصمة السعودية إلى منصة عالمية لاستضافة فعاليات ضخمة، بدءاً بمعرض الرياض الدولي للكتاب، ووصولاً إلى قمم التقنية والمؤتمرات العالمية التي تستقطب نخبة العقول والمبتكرين، يؤكد أن المملكة اختارت طريقاً موازياً يرفع منسوب تأثيرها الحضاري.
لم يعد التنافس الدولي محصوراً في الأبعاد الاقتصادية والسياسية التقليدية، بل انتقل إلى مضمار صناعة المعرفة وقيادة الابتكار وتشكيل الوعي،
هذه الفعاليات الكبرى، وعلى رأسها معرض الكتاب كنموذج بارز لهذا التحول، تتجاوز كونها أسواقاً للمنتجات؛ إنها ملتقيات حضارية تُعيد للمنطقة دورها التاريخي كمركز للإشعاع الفكري.
ومن خلالها، تُرسخ المملكة مكانتها كعاصمة للثقافة ليس إقليمياً وحسب، بل بوصفها جسراً حيوياً بين الشرق والغرب، ومدافعاً عن الاعتدال والانفتاح الفكري في مواجهة التطرف.
إن هذا التوظيف الاستراتيجي للثقافة لا ينفصل عن الدبلوماسية الاقتصادية للمملكة، فالمؤتمرات الكبرى هي قنوات حيوية لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتعزيز الشراكات في قطاعات المستقبل كالذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة.
فالقرار السياسي الحكيم يُدرك أن القوة الناعمة هي محرك رئيسي لتحقيق التنوع الاقتصادي المنشود، وتثبيت موقع المملكة كلاعب مؤثر لا غنى عنه في صياغة الأجندة العالمية.
وعلى الصعيد الإقليمي، تساهم هذه الحركية في إعادة تشكيل الصورة النمطية السائدة عن المنطقة، وتقدم نموذجاً متجدداً للعالم العربي يعلي من قيمة الإبداع والابتكار.
هذه الريادة الثقافية تجعل من المملكة مصدر إلهام للدول الشقيقة، وتُعزز من نفوذها المعنوي والدبلوماسي في بناء تحالفات مستدامة تتجاوز المصالح الآنية إلى شراكة في التنمية والمستقبل.
في الختام، يمكن القول إن المملكة العربية السعودية لا تُعيد بناء اقتصادها فحسب، بل تُعيد هندسة موقعها العالمي عبر بوابة المعرفة والثقافة، هذه الحركية النشطة تؤكد أن الرياض تمضي قدماً نحو صدارة المشهد، مُدركة أن قوة الأفكار لا تقل أهمية عن قوة الاقتصاد، وأن صناعة المستقبل تبدأ من عقول شبابها ومن المنصات الثقافية التي تبنيها.