الكاتب : النهار
التاريخ: ١٠:٣٠ م-٢٠ أغسطس-٢٠٢٥       6545

 

 
بقلم: شموخ نهار الحربي 
 
القلق تجربة إنسانية مشتركة يمر بها الجميع بدرجات متفاوتة. قد يظهر في صورة توتر قبل مناسبة مهمة، أو انشغال مفرط بالتفكير في المستقبل، أو حتى إحساس مستمر بالضغط في الحياة اليومية. ورغم أن القلق يُنظر إليه عادة على أنه شعور سلبي يستهلك طاقة الإنسان، إلا أن له جانبًا آخر يمكن الاستفادة منه إذا أُحسن التعامل معه. فالمفتاح ليس في التخلص من القلق تمامًا، بل في فهمه وتوجيهه ليصبح قوة دافعة نحو التطور والتحقيق.
معنى القلق ودوره الطبيعي
القلق في أساسه استجابة طبيعية من الدماغ لمواقف تتطلب الانتباه والاستعداد. إنه بمثابة نظام إنذار داخلي يهيئ الجسد والعقل لمواجهة التحديات. فعندما نشعر بالقلق قبل اختبار أو مقابلة عمل، فإن أجسامنا تزيد من معدل التركيز ويصبح تفكيرنا أكثر حدة. المشكلة الحقيقية تبدأ عندما يتحول هذا القلق من حافز قصير الأمد إلى عبء مستمر يعيق الإنجاز.
تحويل القلق إلى دافع إيجابي
هناك طرق عديدة يمكن من خلالها تحويل القلق من شعور مثبط إلى مصدر للطاقة والتحفيز:
 1. إعادة تفسير المشاعر: كثيرًا ما نربط القلق بالخوف والفشل، بينما يمكننا أن نعيد صياغته باعتباره إشارة إلى أننا نستعد لشيء مهم. مجرد تغيير النظرة الداخلية قد يخفف من حدته ويحول التوتر إلى طاقة إيجابية.
 2. الاستفادة من طاقة القلق في التخطيط: القلق غالبًا ما يرتبط بالتفكير الزائد في الاحتمالات السلبية. إذا استثمرنا هذا التفكير في وضع خطط بديلة واستراتيجيات عملية، فإننا نحول هذا الانشغال الذهني إلى وسيلة للاستعداد والنجاح.
 3. التحفيز نحو الإنجاز: كثير من النجاحات الكبيرة ارتبطت بلحظات قلق سابقة. فالخوف من الرسوب قد يكون سببًا في بذل جهد أكبر في المذاكرة، والقلق من الفشل في مشروع قد يكون حافزًا لتطوير المهارات والبحث عن حلول مبتكرة.
 4. تقسيم المهام إلى خطوات صغيرة: عندما يكون القلق مرتبطًا بمهمة كبيرة، فإن تقسيمها إلى أجزاء يسهل إنجازها يخفف من الضغط النفسي، ويعطي شعورًا بالتقدم المستمر بدلاً من الغرق في ثقل المهمة كاملة.
 5. استخدام تقنيات الاسترخاء: تمارين التنفس العميق، الكتابة عن الأفكار المقلقة، أو ممارسة الرياضة بشكل منتظم تساعد على تنظيم مستوى القلق بحيث يبقى في حدوده المفيدة دون أن يتحول إلى عائق.
القلق كحافز للنمو
الإنسان الذي لا يشعر بأي قلق قد يفتقد أحيانًا الحافز على التطوير والتجديد. في المقابل، الشخص الذي يدير قلقه بذكاء يستطيع أن يحوله إلى طاقة خلاقة تقوده نحو تحقيق أهدافه. فكل شعور بالقلق يحمل في داخله رسالة: هناك شيء يحتاج إلى اهتمامك. وإذا استقبلنا هذه الرسالة بوعي وتعاملنا معها بمرونة، سنجد أن القلق ليس عدوًا بل أداة تساعدنا على النمو.
خاتمة
التعامل مع القلق ليس مسألة التخلص منه أو محوه من حياتنا، بل هو فن التوازن بين إدراكه والسيطرة عليه. عندما نتعلم كيف نعيد توجيه هذا الشعور ونستخدمه كمنبه إيجابي، نصبح أقدر على مواجهة التحديات بثقة وهدوء. القلق قد يكون في ظاهره ثقيلاً، لكنه في جوهره يمكن أن يكون قوة خفية تدفع الإنسان نحو إنجازات لم يكن ليتحققها لولا هذا الشعور الذي أيقظه