الكاتب : النهار
التاريخ: ١٠ نوفمبر-٢٠٢٥       7700

بقلم - موضي عوده العمراني 

في عمق التجربة الإنسانية، تتجلّى الحيرة كأحد أصدق مظاهر الوعي.

فكلما ازداد الإنسان معرفة، أدرك مقدار جهله، وكلما اقترب من الحقيقة، تراجع خطوة أمام اتساعها اللامحدود.

تلك المفارقة هي ما يجعلنا نقول بيقينٍ عجيب: لا نعلم ونبقى حائرون.

الإنسان بطبيعته كائن باحث، يسعى لأن يفهم ما حوله: الكون، الحياة، النفس، والقدر.

لكنه حين يتأمل طويلاً في هذا المسار، يكتشف أن كل إجابة تفتح أبوابًا لأسئلة أعمق.

فالحيرة إذًا ليست عجزًا، بل حركة عقلٍ حيّ لا يتوقف عن التفكير.

إنها وعي بالجهل، واعتراف بأن المعرفة مهما اتسعت تظل جزيرة صغيرة في بحرٍ لا نهاية له.

الفلاسفة عبر التاريخ تناولوا الحيرة بوصفها حالة ضرورية للوصول إلى الحقيقة.

سقراط قال: “أعلم أني لا أعلم”، وهي جملة تختصر فلسفة الوعي البشري كلّه.

فحين يدرك الإنسان محدوديته، يتحرر من وهم الكمال، ويبدأ رحلة البحث الصادق.

والحيرة هنا ليست نقيض الإيمان، بل قد تكون دليلاً عليه، إذ لا إيمان بلا تساؤل، ولا تسليم بلا تفكّر.

نحن نحيا بين الغيب والعقل، بين ما نراه وما لا نستطيع تفسيره.

وفي هذا التوازن الهشّ، تتجلّى إنسانيتنا.

فلو كنّا نعلم كل شيء، لانتفى معنى التجربة، ولانطفأ شغف الاكتشاف.

إن الحيرة هي التي تدفعنا نحو السؤال، والسؤال هو أصل كل علم وكل تقدم.

لذلك، حين نقول “لا نعلم ونبقى حائرون”، فنحن لا نعبر عن ضعف، بل عن وعي.

وعيٍ بأن الحقيقة لا تُملك، وإنما يُسعى إليها، وبأن الطريق إلى الفهم أطول من أعمارنا، لكنّ السير فيه هو ما يمنح الحياة معناها .