النهار
بقلم - لواء م عبدالله ثابت العرابي الحارثي
حين نتأمل مسيرة الدفاع المدني السعودي الممتدة لأكثر من مئة عام منذ تأسيسه عام 1343هـ، فإننا لا نستعيد مجرد تاريخ قطاع أمني، بل نروي سيرة وطنٍ صاغ مجده بوعي مؤسسه العظيم الملك عبدالعزيز – طيّب الله ثراه – الذي أدرك منذ البدايات أن الأمن بمعناه الشامل هو حجر الزاوية في بناء الدولة واستقرارها وازدهارها.
لقد كان الملك المؤسس صاحب رؤية بعيدة المدى، إذ حرص على بناء منظومة أمنية متكاملة تدعم التنمية وتحمي الإنسان والمكان، وكان من بين ركائزها قطاع الدفاع المدني الذي وُلد من رحم الحاجة إلى حماية الأرواح والممتلكات في وطنٍ مترامي الأطراف، متنوع التضاريس، متسارع النمو.
ومع توالي العقود، تطور الدفاع المدني السعودي بخطوات ثابتة، مواكبًا التحولات الكبرى التي شهدتها المملكة في شتى المجالات، من مرحلة التنظيم الأولى إلى عصر التقنية والذكاء الاصطناعي، ليغدو اليوم أحد أهم القطاعات الإنسانية والأمنية في المنطقة، بل وفي العالم.
لقد كان لي شرف الانتماء إلى هذا القطاع لأكثر من ثلاثة عقود، عايشت فيها عن قرب روح الإخلاص التي تسكن أبناء الدفاع المدني؛ أولئك الرجال الذين لم تكن مهنتهم مجرد وظيفة، بل رسالة حياة يؤدونها بشجاعة وإيمان، ويفدون وطنهم بأرواحهم في سبيل سلامة مواطنيه ومقيميه.
وما زلت أرى أن أجمل ما يميز هذا القطاع أنه قطاع يتجدد بتجدد الإنسان فيه، ويتطور كما تتطور أدوات العلم والإدارة والتقنية، فكان بحق عنوانًا دائمًا للعطاء وواجهة مشرقة لصورة المملكة الإنسانية أمام العالم.
لقد كان الدفاع المدني حاضرًا في كل محطة من محطات التنمية الوطنية، يسهم في حماية المكتسبات الاقتصادية والعمرانية والسياحية، ويشارك في إدارة الكوارث والفعاليات والمواسم الكبرى، ويقف جنبًا إلى جنب مع مختلف القطاعات لتحقيق أمن شامل ورخاء مستدام.
ومن المنجزات التي أعتز بها شخصيًا أنني حظيت بشرف وضع فكرة كتاب “74 عامًا” خلال عملي في الإدارة العامة للعلاقات والإعلام، وهو عمل توثيقي لمسيرة الدفاع المدني وإنجازاته، أعدّه واجبًا وطنيًا قبل أن يكون إنجازًا مهنيًا، أسهم في حفظ ذاكرة هذا القطاع العظيم للأجيال القادمة.
ومع حلول المئوية الأولى للدفاع المدني السعودي، نقف أمام تجربة وطنية وإنسانية رائدة تستحق أن تُروى للعالم، بوصفها نموذجًا في الجمع بين الأمن والتنمية، بين الواجب المهني والرسالة الإنسانية، وبين الإرث المؤسسي والطموح المستقبلي.
ستظل مسيرة الدفاع المدني السعودي شاهدة على أن بناء الإنسان هو أعظم استثمار، وأن حماية الوطن مسؤولية يتوارثها الأبناء بإيمان وولاء وصدق انتماء.