الكاتب : النهار
التاريخ: ٢٨ اكتوبر-٢٠٢٥       13585

بقلم - د. طارق بن حزام 

يا لَرهفِ قلوبهم وضعفِ أجسادِهم أولئك الذين كانوالنا في الأمسِ سِترًاوقوّة،أضحَوا اليوم أحوجَ إلى رِفقٍ يُداوي، ولُطفٍ يُواسي،وحنانٍ يُعيدُ إلى أرواحِهم طمأنينةَ الأيامِ الجميلة التي ولّت.

 كبارُ السّنّ أولئك الذين ربَّونا على أكتافِهم صاروا اليوم أطفالاً في أجسادٍ أنهكَها العُمر،أحوجَ من صغارِنا إلى الدّلالِ والعطفِ والرِّعاية،إلى كلمةٍ دافئةٍلاتُجرح،ونظرةِ محبّةٍ لا تُنسى،ولمسةِ حنانٍ تُعيدُ شيئاً من وهجِ الحياةِ إلى ملامحهم الذابلة.

كانوا بالأمسِ صلابةَ البيتِ وعمادَه،واليومَ صاروا ظلالاً هادئةً تبحثُ عن دفءِ القلوبِ بعدما خبت نارُ الشبابِ وغابَ بريقُ المناصبِ وضجيجُ الحياة.كم فقدوا من أصدقاءَ ورفاقٍ،وكم طووا في صدورِهم أحزاناً لا تُقال!قلوبُهم مثقلةٌ بالذكريات،ونفوسُهم تنوءُ بما حملت من فُقدٍ ووَجَع.

ينامون ولاينامون،يأكلون،ولايذوقون، يضحكون وقد غاب عن ضحكتهم الفرحُ،يخفون دمعتهم وراء بسمةٍ خجولةٍ كي لا يُؤلمونا بضعفهم

ما أشدَّ ما يُوجِعُهم انشغالُنا عنهم، وهاتفٌ في أيدينا يصرفُنا عن حديثٍ اشتاقواأن نُصغي إليه!

إنهم لايريدون منّامالاًولاطعاماً ولا دواءً وإن كانوا بحاجةٍ إليها بل يريدون أن نمنحَهم شعورًابأنهم ما زالوا في القلب،في الذاكرة،في الحياة.

ابتسامةٌ في وجوههم صدقة،وكلمةٌ طيبةٌ بلسم،ويدٌ تُعينهم عبادة،وعقلٌ يتّسعُ لحديثهم حُسنُ خُلقٍ ووفاء، املأ فراغَ أيامِهم بوجودِك،فإنَّ وحدتَهم أقسى من المرض،وصمتَهم أوجعُ من الألم.

كبارُ السنّ قريبون من الله،دعاؤُهم يفتحُ أبوابَ السماء،فاغتنم دعوةً منهم لا تُرد،قبل أن تصبحَ أنتَ صاحبَ الدعاء لا سامعَه.

إنهم الأمُّ والجدُّ،الأبُ والجدة،أولئك الذين سكبواأعمارَهم،في،سبيلنا فاجعلوا خواتيمَ حياتِهم مشرقةً بالبرّ والسعادة،فإنَّ لحظةَ ندمٍ بعدرحيلِهم لاتُجدي.

اليومَ هم كبارُ السنّ،وغداً ستكونُ أنتَ أحدَهم فازرعْ ما تُحبُّ أن تحصده،وكن لهم العِوَضَ عمّا فقدوا،والربيعَ في خريفِ أعمارهم،والعُكّازَ الذي يتّكئون عليه في ما تبقّى من الطريق.

رفقاً بهم،ففي رِفقِك بركةٌ،وفي حنانِك أجرٌ،وفي دعائهم لك حياة.