النهار

١٠ اكتوبر-٢٠٢٥

الكاتب : النهار
التاريخ: ١٠ اكتوبر-٢٠٢٥       6710

بقلم - حمد حسن التميمي 

ليس الحب مجرد شعور عابر بل هو مساحة يسكن فيها الآخر داخل قلبك وعقلك يرافقك في تفاصيل يومك، يزورك في لحظات الصمت، ويمنحك دفئا حتى في غيابه. تشعر بالشوق إليه، وتنتظر لقاءه، وتفتقده حين تبعدكما الأيام، أما الكره، فهو أيضا شكل من أشكال الحضور، لكنه حضور ثقيل، يسرق منك طاقتك، ويشغل بالك ويجعلك تعيش في ظلال من الحقد والحزن، وكأنك أسير لموقف لم يعد موجودا إلا في رأسك.

في الحب، تزداد الحياة الفا، وتغدو الأيام أكثر إشرافًا، وتسمو المشاعر إلى مستويات من الرقي والبهجة. أما في الكره، فكل شيء يبدو باهثا ثقيلا، مشوشا الحب يربحفيه الطرفان، أما الكره، فيخسر فيه من يكره بينما يربح من يكره، لأنه ببساطة لا يحمل ذلك العبء، ولا يعيش في دوامة التفكير السلبي.

وهنا تكمن المفارقة سواء أحببتني أو كرهتني، فأنا الرابح. لأن الحب يمنحني حضورا جميلا في قلبك، والكره يمنحني مساحة في ذهنك، بينما أنت تخسر في الحالتين إن لم تكن واعيا لما يحدث داخلك. فأن تكره أحدهم يعني أن تمنحه وقتك طاقتك ومشاعرك، دون أن يشعر هو بذلك أو يتأثر، بينما أنت تتأكل من الداخل.

ورغم أن كثيرين يدركون هذه الحقيقة، إلا أن الغالبية لا تتوقف عن الوقوع في فخ الكراهية. ترى أحدهم يشتعل غضبا تجاه من أساء إليه، يفكر فيه ليلا ونهارا، بينما الآخر يعيش حياته، يضحك، ينجح، ويمضي دون أن يلتفت. لا شك أننا سنواجه من يجرحنا، لكن الفرق كبير بين أن ثهان في لحظة، وبين أن تعيش في ظلال تلك الإهانة إلى الأبد.

إن التمسك بالكراهية يشبه أن تصنع قفضا حديديا وتحبس نفسك فيه، ثم تشتكي من ضيق المكان. بينما الحقيقة أنك من أغلق الباب على نفسه. وعندما تدرك أن مشاعرك هي مسؤوليتك، وأنك من يقرر كيف يشعر، لا الظروف ولا الأشخاص، تبدأ رحلة التحرر الحقيقي

وهنا تأتي النصيحة لا تسامح لأن الآخر يستحق، بل لأنك تستحق أن تعيش بسلام. لا تنس ما حدث، لكن لا تسمح له أن يحدد شكل حياتك تخل عن الكره، لا لأنه ضعف، بل لأنه عبء لا يستحق أن تحمله سامح نفسك أولا، وامنحها فرصة لتتنفس، لتتوازن، لتعود إلى الحياة دون شوائب.

في المستقبل، ومع تزايد الضغوط النفسية، وتفكك العلاقات، وتضخم الأنا، سيصبح التحرر من الكراهية ضرورة لا رفاهية. سيحتاج الإنسان إلى أن يتصالح مع ذاته، لا ليرضي الآخرين، بل ليحمي ما تبقى من روحه. وربما نصل إلى زمن يقاس فيه النجاح بقدرتك على التخلي، لا على التمسك، وعلى قدرتك على الحب، لا على الانتقام.

وفي النهاية تذكر حين تفكر في من تكرهه، فانت تمنحه انتصارًا جديدًا. وحين تتجاهله، وتعيش حياتك، وتنجح، وتحب، فأنت تنتصر على كل ما أراد أن يكسرك. الحب عاطفة ترفعك والكره عاطفة تسقطك. فاختر ما يليق بك، وامض في طريقك خفيفا، نقيا منتصرا على كل ما لا يستحق أن يسكنك.