الكاتب : النهار
التاريخ: ٠٦ اكتوبر-٢٠٢٥       8910

بقلم - ناصر مضحي الحربي 
لم يعد الحديث عن  الإيجارات  في مدننا مجرّد شأن اقتصادي، بل تحوّل إلى هاجس اجتماعي يؤرق الأسر ويضغط على الاستقرار المعيشي.

فمع كل عقد جديد أو تجديد لعقد قديم، يتفاجأ المستأجرون بزيادات متلاحقة لا تستند إلى منطق السوق بقدر ما تعكس نزعة جشع تتسلل إلى بعض الملاك ممن ينظرون إلى العقار باعتباره منجمًا مفتوحًا لا يعرف حدودًا للربح.

ليس في طلب الكسب عيب، فالربح حق مشروع ومبدأ اقتصادي أصيل، لكن الخط الفاصل بين الربح والجشع رفيع ودقيق.

حين يتحول رفع الإيجار إلى وسيلة استغلال لا تراعي ظروف الناس ولا تغيّر في جودة الخدمات أو تكاليف الصيانة، فإننا نكون أمام خلل أخلاقي قبل أن يكون اقتصاديًا.

إن من أبشع صور الجشع أن يُرهق المستأجر ويُحاصَر في لقمة عيشه وسكنه، وكأن السكن الذي هو حق إنساني، صار سلعة يعبث بها من لا يعرف سوى لغة المال.

النتائج لا تتوقف عند حدود العلاقة بين المالك والمستأجر، بل تمتد إلى المجتمع كله. ارتفاع  الإيجارات  المبالغ فيه يدفع الأسر إلى شدّ الأحزمة، والتنازل عن ضروريات الحياة من أجل سداد إيجار المسكن.

بعضهم ينتقل إلى أحياء أقل جودة، فيضحي بالأمان أو بقرب المدارس أو بخدمات الحي، بينما يواجه آخرون مأزق القروض والديون لتغطية التكاليف.

أما المشاريع الصغيرة والمحال التجارية، فهي أول المتضررين من تضخّم الإيجارات، إذ تضطر للإغلاق أو تقليص العمالة، مما يخلق أثرًا اقتصاديًا متسلسلًا لا يلبث أن يظهر في الأسواق وفرص العمل.

في المقابل، فإن التيسير على المستأجرين ليس منّة ولا تفضّلًا، بل هو واجب أخلاقي وروح دينية تحث على الرفق والتراحم.

لقد أوصى النبي ﷺ بالسماحة في التعامل، فقال: «رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى».

والمجتمع السعودي، الذي عرف دائمًا بتكافله وحرصه على الاستقرار الأسري، لا يليق به أن يسمح للجشع بأن يمزّق هذا النسيج الراسخ.

ولعل من الضروري أن يكون هناك وعي جمعي جديد في إدارة السوق العقارية، يقوم على مبدأ التوازن لا الاستغلال، وعلى العدالة لا الطمع.

فالدولة مشكورة أطلقت مبادرات تنظم العلاقة الإيجارية وتوثّق العقود وتحمي الحقوق، لكن يبقى الدور الأكبر في وعي الأفراد، وفي شعور الملاك بمسؤوليتهم تجاه المجتمع الذي يعيشون فيه.

إن خطر الجشع في رفع  الإيجارات  لا يُقاس فقط بعدد العقود ولا بمقدار الزيادة، بل بما يخلّفه من توتر اجتماعي واحتقان اقتصادي.

حين يغلّب المرء مصلحته الخاصة على مصلحة الناس، يتصدّع البناء الأخلاقي الذي هو أساس العمران الحقيقي.

وحين يسود الرفق والتيسير، تزدهر المدن بمعاني الاستقرار، ويغدو السكن راحة وطمأنينة لا عبئًا يثقل الكاهل.