بقلم - أحمد صالح حلبي
حينما بدأت قراءة ديوان ولاّدة بنت المستكفي بالله الخليفة الحادي عشر للأندلس والحاكم الخامس عشر لها من سلالة الأمويين ، جذبني جمال شعرها ، وبلاغة أسلوبها ، صوب سيرتها متعمقا في تاريخها للتعرف على شخصيتها خاصة وأن كانت من أوائل من فتحوا المجالس الأدبية في الأندلس ، غير أن نجاحاتها وإبداعاتها الشعرية اثارت البعض فاختلفوا حول أخلاقياتها فمنهم من قال إنها، " كانت شريفة عفيفة، بنت عز وكرم " ، وآخرون اتهموها بــ " الانحلال الأخلاقي " ، وذهب البعض لاتهامها بالــ " مثلية الجنسية " ، من خلال علاقتها المشبوهة بخادمتها " مهجة " !
وردت عليهم مؤكدة عفتها بقولها :
إني وأن نظرَ الأنام لبهجتي*** كظباءَ مكةَ صيدهنَّ حرامُ
يُحسبنَ من لين الكلام فواحشًا *** ويصدُّهنّ عن الخنا الإسلامُ
وقد يعود سبب اتهامها بالانحلال الأخلاقي ما طرزته على ثوبها بالجانب الأيمن بقولها :
أنا والله أصلح للمعالي*** وأمشي مشيتي وأتيه تيهًا
فيما طرزت على الجانب الأيسر قولها :
أمكّن عاشقي من صحن خدّي *** وأعطي قبلتي من يشتهيها
ولأن حديثي عن ولادة بنت المستكفي ، فهذا يقودنا لقصة حب جمعتها مع أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن زيدون المخزومي القرشي المعروف بـابن زيدون ، الذي أنشد قصيدة معروفة يعبر فيها عن شوقه لولادة يقول في مطلعها :
إنّي ذكرْتُكِ، بالزّهراء، مشتاقا،
والأفقُ طلقٌ ومرْأى الأرض قد راقَ
وَللنّسيمِ اعْتِلالٌ، في أصائِلِهِ،
كأنهُ رَقّ لي، فاعْتَلّ إشْفَاقَا
والرّوضُ، عن مائِه الفضّيّ، مبتسمٌ،
كما شقَقتَ، عنِ اللَّبّاتِ، أطواقَا
يَوْمٌ، كأيّامِ لَذّاتٍ لَنَا انصرَمتْ،
بتْنَا لها، حينَ نامَ الدّهرُ، سرّاقَا
نلهُو بما يستميلُ العينَ من زهرٍ
غير أن عشقهما لم يدم طويلا ، إذ سرعان ما افترقا بعد أن جذبة جارية سوداء ابن زيدون نحوها بغنائها وجمال صوتها ، فأثار هذا الجذب ابن زيدون الذي تعلق بها ، وولادة التي ظهرت غيرتها فترجمتها بقصيدة تقول فيها :
لَو كنت تنصفُ في الهوى ما بيننا
لم تهوَ جاريتي ولم تتخيّرِ
وَتركتَ غصناً مثمراً بجماله
وجنحتَ للغصنِ الذي لم يثمرِ
ولقد علمت بأنّني بدر السما
لَكن دهيت لشقوتي بالمشتري
جالَ النّدَى فيهِ، حتى مالَ أعناقَا
كَأنّ أعْيُنَهُ، إذْ عايَنَتْ أرَقى ،
بَكَتْ لِما بي، فجالَ الدّمعُ رَقَرَاقَا
وردٌ تألّقَ، في ضاحي منابتِهِ،
فازْدادَ منهُ الضّحى ، في العينِ، إشراقَا
سرى ينافحُهُ نيلوفرٌ عبقٌ،
وَسْنَانُ نَبّهَ مِنْهُ الصّبْحُ أحْدَاقَا
ويقال أن ابن زيدون ندم ، وأراد العودة لولادة فأهدها بيت شعر يقول فيه :
أضْحَى التّنائي بَديلاً عنْ تَدانِينَا،
وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينَا
إلا أن ولادة وجدت في تعلقه بالجارية إهانة لها ، فجاء ردها بإلقاء شباكها نحو الوزير أبو عامر بن عبدوس القليل الذكاء الواسع الثراء ، لتقطع بذلك علاقتها بابن زيدون ، وتنهي قصة حب جمعتها ابيات شعرية عاشتها ربوع الأندلس.