الكاتب : النهار
التاريخ: ١٥ مايو-٢٠٢٥       18920

حسين السنونه - النهار

تشيد أ.د. مروة مهدي  عبيدو، الأستاذة والأكاديمية الدولية في مجال المسرح وفنون الأداء والمحاضرة في الدراسات المسرحية في جامعة برلين الحرة، في حديث مع صحيفة "النهار" بالدور الذي تقوم به الهيئة العربية للمسرح، في دعم حضور المسرح العربي، إقليميا ودوليا، ليس فقط عبر النشر، بل أيضا عبر تنظيم المهرجانات العربية، ودعم الحركة المسرحية في كل الدول العربية، فلقد فتحت الهيئة العربية للمسرح فرص للنشر والإبداع والتواصل المسرحي العابر للحدود، ولها دور سوف يذكر في التاريخ، في تأسيس حراك مسرحي عربي، على مستوى النشر والإبداع. 

 

س:  لماذا نترجم (هل لنقص في النصوص العربية)؟

- هذا سؤال مهم ويحتاج البحث في وظيفة الترجمة وتاريخها ودورها في التبادل المعرفي، تلعب الترجمة دور الجسر الذي يربط بين الثقافات، ومن خلال هذا الجسر نتعرف على بعضنا البعض، ونكتشف أنواع مختلفة من الأدب والأفكار والمفاهيم الفلسفية والاجتماعية، ونتبادل تجاربنا الإنسانية والفنية والفلسفية لدينا اليوم، العديد من المؤلفات العلمية والأدبية والفلسفية التي نقرأها، والمتاحة لنا بفضل الترجمة، كما تُمكِّن الترجمة العلماء والباحثين والقراء من الاستفادة من المعرفة التي تم إنتاجها في لغات وثقافات أخرى، الترجمة هي الوسيلة الحيوية الأولى لتبادل المعرفة بين الثقافات المختلفة، وهي عنصر نشط وفعال في بناء عالم واحد مترابط ومتفاهم، هل يمكن تخيل العالم بلا ترجمة؟!

ومن خبرتي الشخصية، بدأ مشروع الترجمة  الخاص بي، كمبادرة فردية، بعد أن اكتسبت معرفة كافية باللغة والثقافة الألمانية، خاصة في حقل المسرح وفنون الأداء، وهو تخصصي العلمي. وبدأت أشعر برغبة في تقديم ما تعلمته لأهلي وأهل ثقافتي، خاصة بعد أن أن وضعت يدي على الفجوة الكبيرة بين ما يكتب وينشر يوميا في ألمانيا، وما يترجم منه إلى العربية فجوة عميقة خاصة في تخصص النظريات النقدية الحديثة.

من ناحية؛ ظهرت العديد من نظريات النقد الحديث وما بعد الحديث في ألمانيا، وباللغة الألمانية، وتمت ترجمة القليل منها عن اللغة الإنجليزية، وهذا بالطبع يبعد الترجمة عن الأصل، ومن ناحية أخرى، يتجه أغلب المترجمين عن الألمانية إلى ترجمة الأدب والابداع، وتبقى النظريات النقدية غير منقولة، رغم أهميتها في مجال البحث الثقافي والمسرحي، ونظرا لتخصصي واحتكاكي بمُنظري المسرح في ألمانيا، وجدت ضرورة في ترجمة نظرياتهم الى العربية، خاصة بعد أن لمست حاجة الباحثين العرب للاطلاع عليها. 

 

س: لكل لغة خصوصية ثقافية، كيف تتم ترجمة النصوص المسرحية والكتب المتخصصة؟

- يقول "تحوت" رمز الحكمة في الثقافة المصرية القديمة "الناس جميعا واحدا بالخلق، واللغات جميعا واحدة بالمعاني"، أي أن صعوبة الترجمة لا تكمن فقط في نقل المعنى المباشر، بل أيضا في نقل ماوراء الكلمات، أي السياق المعرفي وأسلوب الكاتب وروح النص، مما يفرض على المترجم الغوص في عمق النص، ليضع يده على ما وراء السطور، ومن ثم يجد الكلمة الموازية في اللغة المنقول إليها. 

خاصة في ترجمة المصطلحات، لأن المصطلح يحمل دفقات طاقية وتاريخية مركبة، وهنا تظهر ضرورة التعمق في التخصص المراد ترجمته، ومراجعة ما تمت ترجمته في نفس التخصص. أصعب ما واجهت في رحلة الترجمة الخاصة بي؛ هو ترجمة المفاهيم والمصطلحات المتخصصة، خاصة الجديد منها، والذي لم تتم ترجمته إلى العربية بعد، واضطررت في كثير من الأحيان، العودة إلى اللغة اللاتينية والبحث عن أصل المصطلح، ومن ثم الغوص في اللغة العربية لإيجاد مصطلح موازي. 

ومن ناحية أخرى، تخلق الخصوصية الثقافية تحديات متعددة للمترجم، من أجل نقل النص من ضفة إلى أخرى بدقة، ولمواجهة ذلك، لابد من البحث عن الأرضيات المشتركة بين الثقافات واللغات، وكذلك في التخصص المعنى.  وتبقى رحلة الترجمة رحلة فردية شخصية، تتداخل فيها خلفية المترجم وطريقته في تناول النص، وشغفه بالبحث والتنقيب في حقل معرفي معين، للوقوف على الاختلافات الثقافية والتشابهات الانسانية، بمعنى أن المعرفة باللغتين المنقول منها وإليها، غير كافية لترجمة الكتب المتخصصة، بل لابد أن تكون هناك معرفة دقيقة بالسياق الثقافي، والحقل المعرفي المراد ترجمته.

 

س: هل يتم الحفاظ على الخصوصية الثقافية للنص أم يتم تطويعه بما يناسب الخصوصية العربية؟

يقول والتر بنيامين، فيلسوف ألماني في هذا السياق: “الترجمة الحقيقية شفافة، لا تحجب الأصل ولا تضيع بريقه، بل تسمح أن تلمع الكلمات بشكل كامل في لغة أخرى؛ بناء على الأصل، معززة بأسلوب جديد وخاص”، وتلخص هذه الكلمات، الصعوبات التي يواجهها المترجم، وهو يتحرك بين ضفتين، ضفة اللغة الأصلية، وضفة اللغة المنقول إليها، باحثا عن كلمات تشف عن روح النص في لغة جديدة. 

وخلال هذه الرحلة بين اللغتين، عليه أن يجد كلمات وعبارات تليق بالنص الأصلي وتصل إلى متلقى اللغة الأخرى. أعتقد أن الترجمة هي ابداع خاص، مبني على سياق النص الأصلي، تتداخل فيه المعرفة مع الموهبة، لتحقيق هذه المعادلة الصعبة، التي تنقل المعاني الخفية في النص الأصلي، عبر الكلمات إلى لغة أخرى، وهذا نفسه ما يجعل الترجمة ممتعة بالنسبة لي، حيث تغوص في بحر من الكلمات في لغتين، لتحقق المعنى بطريقة شفافة، تحمل خصوصية ثقافتين ولغتين، في نفس الوقت.

 

س: حدثينا عن تجربتك مع الترجمة خاصة مع الهيئة العربية للمسرح؟

- بالنسبة لي، احتراف الترجمة يحتاج شغفا كبيرا بها، وهو الشرط الأساسي للاستمرارية في رحلات الترجمة الشاقة والمرهقة جسديا وعقليا، وتبقى الاستمرارية في نشر الترجمة أكبر تحدي للمترجمين. كانت الأمور صعبة جدا في بداية الرحلة، لأن قرار الترجمة - تحديدا ترجمة الكتب المتخصصة - هو مغامرة غير محسوبة العواقب، خاصة أن سؤال النشر هو ما يعطي للترجمة مغزى. 

مع الوضع في الاعتبار، أن الترجمة - رغم أهميتها - لا تلقى دعم مؤسسي ولا اهتمام  كبير من دور النشر، إلا من جهات محدودة جدا، وبناء عليه، يظهر دور الهيئة العربية في المسرح، كأحد المؤسسات التي دعمت نشر ترجماتي، حيث نشرت كتاب (جماليات الأداء) للمنظرة الألمانية إيريكا فيشر ليشته، في طبعته الثانية. 

واستغل هذا الفرصة لأشكر الدكتور يوسف عيدابي، وهو أستاذ جليل ومسرحي واعي، على دعمه لنشر ترجمتي ضمن منشورات الهيئة، وأشكر كذلك الأستاذ إسماعيل عبدالله الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، وكل القائمين عليها، للمجهود الضخم الذي يبذلونه.

 ومن ناحية أخرى، لابد أن أشيد بالدور الذي تقوم به الهيئة العربية للمسرح، في دعم حضور المسرح العربي، إقليميا ودوليا، ليس فقط عبر النشر، بل أيضا عبر تنظيم المهرجانات العربية، ودعم الحركة المسرحية في كل الدول العربية، لقد فتحت الهيئة العربية للمسرح فرص للنشر والإبداع والتواصل المسرحي العابر للحدود، ولها دور سوف يذكر في التاريخ، في تأسيس حراك مسرحي عربي، على مستوى النشر والإبداع. 

ومن الضروري هنا، أن نمتن إلى الدور الذي يؤديه الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، ومؤسس الهيئة العربية للمسرح، وغيرها من المؤسسات المسرحية والثقافية، في دعم الحراك المسرحي والثقافي العربي، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.