

النهار
بقلم: د. غالب محمد طه
ما أعظم رحمة الله بنا حين منحنا شهر رمضان، شهر البركات والخيرات، ليكون فرصةً تتكرر مرة واحدة في العام. وكأنّ السماء تفتح أبوابها خلال هذا الشهر العظيم، لنصلح من أنفسنا ونقترب أكثر من خالقنا. قال النبي صل الله عليه وسلم : "رغم أنف من أدرك رمضان ولم يُغفر له." كيف يمكننا أن نغفل عن هذه الفرصة التي تحمل في طياتها المغفرة والرحمة؟ .
في رمضان، يُعدّ الله لنا كل السبل التي تقربنا منه. يُصفِّد الشياطين، كما جاء في الحديث الصحيح : " إذا جاء رمضان صفدت الشياطين " لتصبح القلوب أكثر صفاءً، والنفوس أكثر استعدادًا لاستقبال الطاعات. لنحرص على أن يكون هذا الشهر نقطة تحول في حياتنا نحو الإيمان والنقاء، ومحطة للتحوّل وفرصة نادرة لتنقية النفس والتقرب إلى الله.
لكن ما هو الجوهر الحقيقي لرمضان؟ وما هي الرسائل الخفية التي ينقلها لنا عبر أيامه ولياليه؟ رمضان ليس مجرد شهر يمر في تقويمنا السنوي، بل هو دعوة عميقة لإعادة بناء علاقتنا مع الله وأنفسنا، إنه لحظة فريدة تضرب بجذورها في أعماق الروح، وتدعونا لتأمل أعمق وتغيير إيجابي، من خلال أيامه المشرقة ولياليه المباركة، يعيد رمضان ترتيب أولوياتنا ويمنحنا طاقة جديدة نستمدها من نور الإيمان.
لكل منا زاوية خاصة ينظر بها إلى رسائل رمضان. فدعني، عزيزي القارئ، أشارك معك بعض الرسائل التي أراها نورًا يهدي طريقنا خلال هذا الشهر المبارك:
الرسالة الأولى: رمضان... هدية ربانية لا تُقدَّر بثمن
كل لحظة في هذا الشهر الكريم هي نفحة إلهية، تُفتح فيها أبواب الجنان، وتُنثر فيها رحمات الرحمن في كل مكان. قال النبي قال النبي صل الله عليه وسلم : " رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يُغفر له" فلنستثمر كل لحظة في هذا الشهر الكريم، ولنكن من الذين يُغفر لهم ويرتقون في درجات الإيمان.
الرسالة الثانية: رمضان... نسمة طاهرة تُعيد للنفوس صفائها.
ومن الرسائل المهمة التي يبرزها رمضان أيضًا، تلك النسمات الطاهرة التي تنقي أرواحنا من غبار الذنوب، إنه وقت لتطهير القلوب وإعادة بناء أنفسنا الروحية. جرب أن تبدأ يومك بالذكر والقرآن، واكتشف كيف يمكن للعبادات أن تُجدد طاقتك الروحية وتُعيد لك السلام الداخلي.
الرسالة الثالثة: كل يوم... صفحة جديدة تُكتب بالإيمان
رمضان يذكّرنا بأن كل يوم فيه هو بداية جديدة، وفرصة تفتح أبوابها للتغيير. في كل صباح تُتاح لنا فرصة جديدة للتوبة، وأمام كل مغيب فرصة لاستغفار صادق. استغل كل يوم كأنه هدية إلهية، واجعل أعمالك الصالحة طريقًا لتغيير دائم في حياتك.
الرسالة الرابعة: رمضان... شهر العطاء الذي لا يعرف حدودًا
من أهم ما يُعلمنا رمضان هو أن البركة تكمن في العطاء. كل عمل خير خلال هذا الشهر، مهما بدا بسيطًا، يترك أثرًا عظيمًا في قلوب الناس. من إطعام محتاج إلى تفطير صائم أو تقديم يد العون، العطاء في رمضان لا يعرف حدودًا. كما قال محمد صل الله عليه وسلم : " من فطر صائمًا كان له مثل أجره ".
الرسالة الخامسة: رمضان... وقت تُشرق فيه قلوب المحبة
ومن الجوانب الرائعة التي يبرزها رمضان، هو تعزيز معاني المحبة بين الناس. اجعل رمضان فرصة لتعزيز الروابط العائلية والاجتماعية، وخصص وقتًا للقاء الأصدقاء وأفراد الأسرة. استثمر هذه اللحظات لإعادة بناء جسور المحبة معهم.
الرسالة السادسة: رمضان... رحلة إلى الذات وأعماق الروح
وسط السكينة التي يغمرنا بها رمضان، نجد أنفسنا في مواجهة صادقة مع ذاتنا. إنه الوقت المثالي للتفكر في أهدافنا ومراجعة حياتنا. اسأل نفسك: ما هو أهم شيء في حياتي؟ كيف أقترب من الله وأحقق السلام الداخلي؟
الرسالة السابعة: رمضان... دعوة لإطلاق سراح الضغائن
ومن أجمل ما يحمله رمضان هو فرصة للتسامح. رمضان دعوة لإطلاق سراح الضغائن والغضب، سواء تجاه أنفسنا أو تجاه الآخرين. التسامح قوة عظيمة تساعدك على بناء السلام الداخلي الذي تحتاجه للانطلاق بقوة بعد الشهر الكريم.
الرسالة الثامنة: لنكن ربانيين... لا رمضانيين فحسب
وبينما يحمل رمضان هذه الرسائل الإيمانية العظيمة، يجب أن ندرك أن العبادة والطاعة لا تقتصر فقط على هذا الشهر المبارك. رمضان هو محطة شحن روحي يجب أن يستمر أثرها طوال العام. لنكن ربانيين في عبادتنا وأفعالنا، ونجعل التقرب إلى الله نهجًا مستمرًا لا ينتهي بانتهاء شهر رمضان.
الرسالة التاسعة: رمضان... أثر لا يزول
ومع مضي أيام وليالي هذا الشهر الكريم سريعًا، يظل أثره في النفوس حاضرًا. هنيئًا لمن صبر على الجوع والعطش في سبيل الله، ولمن ترك ملذات النفس طمعًا في رحمته. هنيئًا لمن أنار لياليه بتلاوة القرآن، ورفع أكفه بالدعاء والمناجاة.
الرسالة الأخيرة: نهاية رمضان... بداية لرحلة إيمانية جديدة
ومع نهاية هذه الرحلة المباركة في شهر رمضان، تبدأ رحلة جديدة نحو أهداف إيمانية أسمى. دعونا نسأل أنفسنا: ماذا قدمنا؟ وكيف يمكننا تحويل الدروس التي تعلمناها إلى عادات جميلة ترافقنا طوال حياتنا؟
الخاتمة:
بعد كل هذه الرسائل التي يحملها رمضان، يبقى لكل منا تجربته الفريدة مع هذا الشهر المبارك. فلنأخذ لحظة للتفكر: ماذا تعني لك هذه الرسائل؟ وكيف يمكنك تطبيقها في حياتك اليومية بعد رمضان؟ ما هي الرسالة التي ترغب في توجيهها لنفسك أو للآخرين في هذا الشهر الفضيل؟
اكتب رسالتك الخاصة أيها القاري الكريم، واجعلها نورًا يضيء دربك طوال العام. فالتغيير لا يبدأ في لحظة النهاية، بل في بداية كل يوم. فلنغتنم رمضان كي نكون أفضل في كل جوانب حياتنا، وأقوى إيمانًا وأكثر قربًا من الله.
ونختم بقول الإمام علي كرم الله وجهه، حيث كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: "يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنِّيه، ومن هذا المحروم فنعزِّيه.. وكل عام وأنتم بخير.

