الكاتب : النهار
التاريخ: ٠٢:٠٩ ص-١٣ مارس-٢٠٢٥       5995

النهار - تقرير: نوف ضحيان الرويسان

في عام 1998، وعلى أحد تلال بلدة ثاج القديمة شرق المملكة العربية السعودية، كان الاكتشاف الأثري الذي أذهل الباحثين والمؤرخين، حين عُثر على مدفن يعود لطفلة يُعتقد أنها من سلالة ملكية عاشت في حضارة ثاج، التي تعود إلى الفترة الهلنستية بين القرن الرابع قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي.

اكتشاف بمحض الصدفة يكشف أسرار حضارة مفقودة

بدأت القصة عندما تقدمت سيدة سعودية بطلب تصريح لبناء منزلها، وهو إجراء يتطلب فحصًا أثريًا للأرض بسبب قربها من موقع تاريخي. وأثناء المعاينة الميدانية، لاحظ الباحث سعيد الصناع، المختص الأثري في متحف الدمام الإقليمي، وجود رماد أسود أثار انتباهه، ما دفعه لإجراء حفريات استكشافية، أدت إلى اكتشاف مدفن أميرة ثاج، الذي يُعد أحد أهم الاكتشافات الأثرية في المملكة.

مقتنيات ملكية نادرة تحكي قصة طفلة ملكية

ضم المدفن رفات الطفلة الملكية، التي لم يتجاوز عمرها العشر سنوات، حيث وُضعت على سرير مزخرف ذو قوائم برونزية، وغطّى وجهها قناع ذهبي فاخر، بينما زُينت بجواهر ملكية شملت خاتمين من الذهب المرصّع بالعقيق المنقوش، وقلادة مذهلة، وأساور ذهبية بلغ وزن الواحد منها نحو 20 كيلوغرامًا، إضافة إلى شريط ذهبي في شعرها. كما عُثر في المدفن على مباخر أثرية، وقطع زينة من الذهب المطعّم بالأحجار الكريمة، وقطع برونزية وفخارية.

وقدّرت كمية الذهب المكتشفة في المدفن بحوالي 18 كيلوغرامًا، ما يعكس المكانة الرفيعة للطفلة ومدى ازدهار الصناعة الحرفية والمعدنية في تلك الحقبة الزمنية.

وزارة الثقافة السعودية.. اهتمام مستمر بالإرث الوطني

حظي اكتشاف أميرة ثاج باهتمام واسع من وزارة الثقافة السعودية والهيئة العامة للتراث، حيث تم تصنيفه كأحد أهم الاكتشافات الأثرية في المملكة. ومنذ ذلك الحين، كثّفت الوزارة جهودها في إجراء المزيد من الدراسات والتنقيبات الأثرية في المنطقة، بهدف كشف المزيد من أسرار حضارة ثاج القديمة، وتعزيز الاهتمام بالمواقع التاريخية التي تسلط الضوء على الدور الحضاري للمملكة عبر العصور.

كما تعمل وزارة الثقافة على إبراز المكتشفات الأثرية في المعارض المحلية والعالمية، ودمجها ضمن البرامج الثقافية لتعريف الأجيال بتاريخ الوطن العريق.

ثاج.. مدينة الذهب والتاريخ

تقع بلدة ثاج على بُعد 80 كلم غرب الجبيل، وهي واحدة من أبرز المواقع الأثرية في المملكة، حيث تشير الدلائل التاريخية إلى أنها كانت مستوطنة نشطة منذ العصور الحجرية، وبلغت أوج ازدهارها خلال الفترة الهلنستية، التي بدأت مع الإسكندر الأكبر عام 332 ق.م واستمرت حتى القرن الأول الميلادي.

ويُعد اكتشاف مدفن أميرة ثاج أحد أبرز الأدلة على ثراء المدينة وحضارتها المزدهرة، حيث كشف عن تقدمها في الصناعات المعدنية والفخارية والفنون الزخرفية، إضافة إلى ارتباطها بالتجارة الإقليمية في تلك الفترة.

استمرار البحث في أسرار مملكة ثاج

يواصل علماء الآثار والهيئة العامة للتراث أعمال البحث والتنقيب في الموقع، وسط آمال بأن تحمل الاكتشافات المستقبلية مفاتيح جديدة لفهم تاريخ المنطقة ودورها في الحضارات القديمة. كما تُعد هذه الاكتشافات جزءًا من رؤية المملكة 2030، التي تسعى إلى تعزيز الاهتمام بالتراث الوطني، وتوثيق التاريخ السعودي العريق، وترسيخه في الذاكرة الثقافية للعالم.