

لواء م عبد الله ثابت العرابي الحارثي
بقلم: لواء.م. عبدالله ثابت العرابي الحارثي
في وطنٍ يُشرق كل يومٍ بمجدٍ جديد، وتُسطر قيادته إنجازات تُضيء حاضر الأمة ومستقبلها، نحتفل اليوم بيومٍ ليس كغيره من الأيام، يومٍ يعانق فيه المجد رايةً لم تكن مجرد قطعة قماش، بل رمزًا للهوية، وشهادةً للتوحيد، وسيفًا للعدل، ووثيقةً تاريخيةً تحمل في ثناياها قصة أمةٍ وشعب.
إننا اليوم نحتفل بـيوم العلم السعودي، يوم الولاء والعزة والانتماء، يومٌ يُعلن أن هذا الوطن الذي كان يومًا يُشكك بعضهم في رموزه، قد أصبح اليوم يُخصص ليوم العلم احتفالًا وطنيًا رسميًا، تتجلى فيه معاني الفخر والإرادة والاعتزاز بالهوية.
بين فكرين.. من الإنكار إلى الافتخار
لم يكن هذا اليوم مجرد مناسبة عابرة، بل هو انتصارٌ لفكرٍ أراد للحياة أن تتقدم، وللفرح أن يكون مشروعًا، وللهوية أن تكون مصدر قوةٍ لا موضع نزاع. ففي زمنٍ مضى، كانت هناك فئةٌ تحاول أن تزرع في النفوس أن تحية العلم أو الوقوف له أو الاعتزاز به ضربٌ من الضلال، وأن احترام الراية التي توحدت تحتها أمةٌ عظيمة كان مما “يزرعه الشيطان”، وكأن الفرح والاعتزاز بالوطن كانا جريمةً تُستنكر.
لقد كان ذلك الفكر ينتمي إلى ثقافة الموت، تلك الثقافة التي أرادت أن تُطفئ الألوان من الحياة، وتقتلع الفرح من جذوره، وتجعل كل مظهرٍ للاحتفاء رمادًا في مهب الريح. أرادوا أن يحرموا الناس بهجتهم، وأن يُصادروا منهم حق الفخر، وأن يقتلوا فيهم ذلك الشعور العظيم بالانتماء والاعتزاز.
ولكن الإرادة الحية تنتصر دائمًا، وعجلة الزمن لا تعود إلى الوراء. وها نحن اليوم نقف وقفةً مختلفة، حيث أصبح يوم العلم يومًا وطنيًا رسميًا، تتوشح فيه شوارع المملكة بالأخضر، وترتفع رايات العز في كل زاوية، ويقف الناس احترامًا لعَلَمٍ لم يكن يومًا إلا رمزًا للتوحيد، والسيف لم يكن يومًا إلا سيف العدل، والأخضر لم يكن يومًا إلا لون الحياة والنماء.
المنظومة العسكرية.. التحية للعلم عقيدةٌ لا تتغير
وفي الوقت الذي حاول فيه بعضهم محاربة ثقافة الاعتزاز بالعلم، كانت المؤسسة العسكرية تمثل خط الدفاع الأول عن رمزية الراية، فقد كان السلام العسكري للعلم، ورفعه صباح كل يوم، وإنزاله بحزم عند الغروب، والتحية التي تؤدى له بكل شموخ، جزءًا لا يتجزأ من عقيدة الجندية والانضباط العسكري. كان الجندي السعودي يقف كل يومٍ أمام هذه الراية ليؤكد أنه لا ولاء إلا للوطن، ولا شرف إلا في الذود عنه، ولا مجد إلا في خدمته تحت رايته الخضراء التي لا تُنكس أبدًا.
إن احترام العلم في المؤسسة العسكرية لم يكن يومًا موضع تساؤل، بل كان رمزًا للانضباط والشرف والمبادئ التي لا تتغير. وفي الوقت الذي سعى فيه البعض إلى التشكيك في أهمية العلم، كانت الوحدات العسكرية والميادين والمعسكرات تهتف له كل صباحٍ بتحيةٍ عسكرية تعني الكثير: “إننا هنا لحمايتك، هنا للدفاع عنك، هنا لنحفظ لك هيبتك بين الأمم”.
يومٌ للوطن.. يوم العلم السعودي
واليوم، في عهدٍ استثنائي تقوده رؤيةٌ استثنائية، تحتفي المملكة بيوم العلم كإحدى المحطات الوطنية التي تعزز الهوية، وتؤكد أن هذا الوطن لم يعد يسمح بأن يكون الفخر به موضع جدل، بل أصبح الاعتزاز به واجبًا وطنيًا يمارسه الشعب بكل حبٍ وانتماء.
إننا حين نرفع راية التوحيد اليوم، لا نرفعها فقط كرمزٍ للدولة، بل نرفعها كرمزٍ لإرادةٍ انتصرت، لثقافةٍ استعادت ألقها، لهويةٍ لم تعد موضع تساؤل، وإنما صارت مصدر فخرٍ لكل مواطنٍ سعودي.
اليوم، يتلاشى فكر الأمس المنكفئ على ذاته، وينتصر فكرٌ يرى في الوطن حياةً تستحق الاحتفاء، وعلمًا يستحق التحية، وهويةً تستحق الافتخار.
مستشار وكاتب رأي