




“قلب بيّانة: الأصمعي ومضيفة في شعب صميعة”
✍🏻 كتب المحرر الثقافي
في ليلة شتوية تزاحمت فيها السحب، وتعانقت زخّات المطر مع البرق والرعد في مشهد يبعث الأنس والرهبة، اجتمع الماضي بالحاضر في لقاء استثنائي جمع الشاعر حسن الزهراني بالعلامة الأصمعي في قرية القسمة بمنطقة الباحة. بين دفء النار ورائحة القهوة المهيّلة، غاص الراوي في حكايات الحب والعشق التي لا تزال حاضرة، وكأنما الزمن انحنى ليعيد سرد أساطيره. في هذا المقال، نستكشف حوارًا فريدًا يجمع الشعر بالحكمة، والموروث بالحاضر، حيث يروي الأصمعي قصص العشق الخالد في “قلب بيّانة”، في قلب الطبيعة العذراء لشعب صميعة.
وهنا“قلب بيّانة ...من حسابه الشخصي على منصة إكس ⬇️
بقلم : حسن الزهراني
وجاء في روايا الراوي اللي ماتشبع الطاوي وتتعدى الهقاوي، أنه في ليلة من ليالي الشتاء التي اكتظت بالسحب سماؤها، وهطلت بغزارة أمطارها ،وجار علينا زمهريرها.
جلست أنا وابنة خالي سندريلا الجنوب في صالة منزلنا الغربية نرقب من خلف الزجاج ما يدور في الخارج بين أُنس ورهبة، ونستمتع بتلألأ قطرات المطر على أوراق الأشجار مع كل لمعة برق، وشعب صميعة على ساكنيه أزكى السلام (من فوق معارقه) كأنه نهر السين والشين، سمعنا صوت صاعقة تصم الأذان , وتهز الأبدان.
صفق البرق برج الاتصالات الذي أمامنا في رأس جبلمنور الواقع غرب قريتنا القسمة العظيمة جنوب السعودية العظمى، وامتدت شعلة منه متصلة حتى وصلت (الصفا) الواقع في أعلى شعب البيان الذي نراه أمامنا في الجنوب الغربي عنا، واشتعلت النار في شنعة ثم بدأت تكبر وتكبر.
قلت لبنت خالي: أنا ولد أبوي النار بتشب القرية وماحولها، والله إني (بأنقز) أشوف وش العلم، وإن تمادى الحريق نستدعي الدفاع المدني.
قالت: تعوّذ من ابليس لاتعرض نفسك للخطر وتروح ضحية الخصر النار بيطفيها المطر،
قلت: أفا !!.. أشوف الحريق وأقعد عندك، ما هذا من شيم العرب.
انطلقت بسيارتي وعندما وصلت بمحاذاتها في الطريق المؤدي إلى قرية المحاطبة، أوقفت سيارتي غربي الطريق، وصعدت باتجاه النار وإذا بشخصين متقابلين على النار يرتديان من الملابس القديمة الزاهية (عُمّة وبردة وحزام)، وكل منهما يتمنطق سيفا وبينهما أثفيتيت كبيرتين وبين الاثفيتين (قعود) يحركانه ببطء، (والدلة المهيّلة) على الجمر رائحتها تملأ المكان.
سلمت من بعيد فردا عليّ السلام بنبرة كأنها نبرة ممثلي الأفلام التاريخية، أوجست منهما خيفة خصوصاً وأن (حصن أم الرزايز )على مرمى حجر منّا في اتجاه الغرب، وأنا أتذكر عمي (عبد الرحمن بن راوي ) رحمه الله يقسم أن الجن فيه (تغنّي ظهيرة).
سميت وقرأت المعوذات وإذا بهما يناديان تفضل يارجل القهوة والعشا، قلت بصوت مسموع :(ياجيراننا يا مباركين لا تضروننا ولا نضركم)، قال: كبيرهم :(تعال تعال نفروا بك ماعندك خلاف أنت جني خلقة).
ضحكت بعدما اطمئنيت ودنوت، وكان استقبالاً حافلاً قدّما لي القهوة وكأنني لم أذق قهوة قبلها وقدما لي من ذلك الشواء الشهي، المطر يهطل والبرد على أشدّه وكأننا لا نحس ولا نسمع ولا نرى.
قلت بلسانهم : من القوم؟.
قال الكبير: أنا الأصمعي
قلت: والله إني شبهت عليك
ونعم مليون يابو الصماميع
قال: لاتتريق
قلت أفاااا
'
قال: أنا أبو سعيد.. ولا تنس إن بيننا نسب يربط جدي أصمع الباهلي بصميعتك التي تتغنى بها وتتغزل في شِعبها الذي تقطن.
قلت: هذا والله شرف عظيم
لكن من هذا الغلام
قال: هذا هو الغلام الذي وجدته قد مات عشقاًً
قلت: ذكرني قصته
قال: بينما كنت سائرًا في البادية مررت بحجرٍ مكتوب عليه هذا البيت:
أيا معشر العُشَّاق بالله خبروا
إذا حلَّ عشق بالفتى كيف يصنعُ
فكتبت تحته:
يداري هواه ثم يكتم سره
ويخشع في كل الأمور ويخضع
ثم عدت في اليوم الثاني
فوجدت مكتوبًا تحته:
فكيف يُداري والهوى قاتل الفتى
وفي كل يومٍ قلبه يتقطعُ
فكتبت تحته:
إذا لم يجد صبرًا لكتمان سره
فليس له شيءٌ سوى الموت أنفع
ثم عدت في اليوم الثالث
فوجدت شابًّا ملقى تحت ذلك الحجر ميتًا وقد كتب قبل موته:
سمعنا أطعنا ثم متنا فبلغوا
سلامي إلى من كان للوصل يمنع
قلت: الله أكبر
وقمت احتضنت الغلام الذي يشبه البدر في ليلة التمام
وقلت أحسن الله عزاءك فيك
وهمست في أذنه ونحن متعانقان: تصدق!!.. كنت أحسب هذه الحكاية من (خرطي) الأصمعي.. أثاري الموضوع جدّ.
تنحنح الأصمعي وفكينا بعض والدموع لها طشيش على الجمر
قلت للغلام: وش أغداك تموت إثرك صدّاق مثلي وعاشق من قلبك ؟!
قال: اللى يسمع كلامك وكلام الأصمعي يروح في ستين داهية!
قلت: وش دخلني أنا؟!
قال: نسيت قولك في قصيدة (خلاص): من لم يمت بالحب عاش كئيبا .. يطوي مفازات الضياع غريبا.
الأصمعي يقول: فليس له حل سوى الموت.
وانت تقول: من لم يمت بالحب عاش كئيبا!!
قلت: بدال ما أعيش كئيبا أموت احسن لي،
وأنت والأصمعي لا متما ولا يحزنون!!
قلت: أسف ياعشّيق زمانك..
عدنا لحديثنا وتركنا العشق وسيرته
قلت: حياكم الله يا أهل البصرة في ربوعنا وعليّ الحرام حرام ما أفككم حتى تروحون معي شعب صميعة وأقوم بواجبكم ثلاثة أيام.
قال الأصمعي أنثبر بس انثبر، ماجئنا إلا في مهمة عاجلة وسنعود من ليلتنا، هل تشاهد هذا الصفا الذي خلفنا وهذا القلب المنحوت عليه ؟!، هذا له في عالم العشق والعشاق شأن عظيم، أنت وكل أهالي قُرى (القسمة والحمود والمحاطبة) سارحين رايحين من جواره ولم ينتبه له أحد، كان هذا المكان الذي نجلس فيه مسرحاً لحكاية عشق عظيمة شبيهة بحكاية هذا الغلام
كان #بيّان و #بيّانه يلتقيان هنا على حبٍّ عذري عفيف،
سافر بيّان ليلتحق بالعسكرية أيام حكم #الشريف_حسين على #مكة
تعاهدا على الزواج
ولكنه بكل أسف مكث في مكة وتحضّر ووجد البديل ونسي العهد،
بقيت بيّانه تنتظره وترفض كل من تقدم لخطبتها
وعندما علمت أنه خان عهدها جاءت إلى هنا وخلعت قلبها وضربت به هنا بكل ما أوتيت من قوة،
وهذا الذي في الصفا أثره كما ترى
ومضت دون قلب ثم أنها تزوجت من رجل شهم عوّضها عن كل ما عانت رغم علمه بقصة عشقها السابق ،
وهي الآن تعيش في سعادة غامرة وأبناؤها وبناتها يحيطونها بعنايتهم ومحبتهم ..
وفي هذا القلب سرّ عظيم أتيت لأخبرك به
(من أراد أن يعرفه فعليه أن يتجرّد من ثيابه تماماً ويغتسل هنا بقربتين من ماءٍ ( نزيع ) من بئر #المجنونة الواقعة شمال قرية القسمة ثم يدخل يده داخل القلب في يوم عيد النحر وهو صائم ،وسيرى وترون العجب العجاب ..
وهذه الوصية من (ذمتي إلى ذمتك ) أوصلها إلى الناس جميعا ونلتقي بحول الله يوم القيامة..
بكيت وضحكت في آن واحد
قلت : تبغاني أصدّق بالله هذا الكلام؟؟!!
قال : اسم الله عليك !
أجل كيف صدّقت حكايتي مع الغلام وصدقت إننا جينا من البصرة وقاعدين نتقهوى معك؟؟
قم قم اسر عند بنت خالك،
قمت والتقطت لكم هذه الصور بجوالي لأثبت لكم صدق ما ورد…
📍المكان في أعلى شعب البيان جنوب مركز صحي القسمة بحوالي ٢٠٠م على يسار المتجه جنوبا إلى قرية المحاطبة،