الكاتب :  د.نهار بن عبد الرحمن العتيبي 
التاريخ: ٠٥:٤٣ م-٠٣ مايو-٢٠٢٣       47795

**********خاطرة مسائية*********

●●●الاعتداد بالنفس سِمَة الشرفاء●●●

نفس الإنسان التي بين جنبيه تستحق الإكرام وليس المهانة ...

وماذاك إلا لأن الذي خلقها أكرمها كما قال سبحانه : { ولقد كرمنا بني آدم }[ سورة الإسراء :  ٧٠ ] .

والمرأة والرجل في التكريم سواء، فكما أن الله تعالى كرم الرجل فقد كرم المرأة 
وجعل الرجل والمرأة في أصل الخلقة سواء فقال سبحانه : { ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].

وأمرهم سبحانه وتعالى ونهاهم فجعلهم في التكليف سواء كما قال سبحانه : { ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

والنساء في الإسلام شقائق الرجال كما قال رسولنا وقدوتنا عليه الصلاة والسلام ( إنَّما النساءُ شقائقُ الرجال ) .رواه الترمذي وأحمد وصححه الألباني .

إذا الاعتداد بالنفس ليس مقصوراً على شرفاء الرجال، بل أيضا تعتد الشريفات بأنفسهن كما يعتد بأنفسهم الرجال .

والمراد بالشرف هنا هو شرف النفس وإعلائها وعدم إذلالها بأي نوع من أنواع الإذلال .

والاعتداد بالنفس هو معرفة قيمتها دون أنانية سمجة أو كبر مذموم أو إنزالها منازل الذل والمهانة ما دام أن الله عز وجل قد رفعها وأعزها وأكرمها .


كل رجل وامرأة يعشقون العليا وتتسابق هممهم نحو السماء يرغبون في إعزاز أنفسهم وتعليتها والشعور المستمر بقيمتها ولكن ....

ولكن إعزاز النفس لا تكفي فيه الأمنيات ولا ترديد الكلمات، ولكنه عمل وصبر وتحمل وبذل لما هو غال من المال أو الجهد العقلي أو البدني في سبيل إعزاز هذه النفس وإكرامها ..

وأول سبيل وأعلاه وأشرفه وأهداه هو إعزاز النفس بطاعة مولاها وخالقها الذي سواها وبفضله سبحانه هداها .
كما قال سبحانه في محكم كتابه :{ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } [ الإنسان : 3] .

وقد أحسن من قال : 
ومما زادني فرحا وتيها 
وكدت بأخمصي أطأ الثريا 
دخولي تحت قولك يا عبادي 
وأن صيرت أحمد لي نبيا 

إن الاعتداد بالنفس لا يعني غمط الآخرين وأكل حقوقهم أو ظلمهم، وإنما تعني معرفة الإنسان نفسه، ورفعها عن كل ما هو قبيح، وغمسها في الطيبات وإبعادها عن الخبائث ..

قل لي بربك وأنت قولي لي بربك كيف يكون شعورك عندما تكون نفسك معتزة بطاعة الله ومبتعدة عن معصيته، و مكتفية بكسبها الحلال عن سؤال ما في أيدي الناس.

 أليست هذه عزة يشعر صاحبها بالفخر والاعتزاز ويستغني عما في أيدي الناس راضياً بما قسمه الله تعالى له ؟..

لقد أخبرنا ربنا جل وعلا في كتابه بأن العزة له سبحانه ولرسوله وللمؤمنين فقال عز من قائل : { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [8] .

وهذه هي العزة التي تشرئب لها الأعناق وتتوق لها النفوس، فلا عزة عند غير الخالق سبحانه كما قال عز وجل : {  الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}  [139] .
وهذه هي عزة الدين عزة المؤنين جعلني الله وإياكم منهم .

ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سؤال الناس حفظا لماء الوجه وإعزازا لهذه النفس إلا في حالات ثلاث : وهي الفقر الشديد والدين وتحمل ديون الآخرين فقال عليه الصلاة والسلام : ( لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس على وجهه مزعة لحم ) رواه مسلم .
وقال عليه الصلاة والسلام : ( يا قَبيصةُ ! إنَّ المسألةَ لا تَحلُّ إلَّا لأحدِ ثلاثةٍ : رجُلٍ تحمَّلَ حِمالةً ، فحلَّتْ لهُ المسألةُ ، حتَّى يُصيبَ قِوامًا من عَيشٍ ، أو قال : سَدادًا من عيشٍ ، و رجلٌ أصابَتْه فاقةٌ حتَّى يقولَ ثلاثةٌ من ذوي الحِجَى من قومِه : لقد أصابتْ فلانًا فاقةٌ ، فحلَّتْ لهُ المسألةُ ، حتَّى يُصيبَ قِوامًا من عيشٍ ، أو قال : سَدادًا من عيشٍ ، فما سِواهُنَّ من المسألةِ يا قبيصةُ سُحتٌ ، يأكلُها صاحبُها سُحتًا ) .رواه مسلم .

وأخيراً وليس آخراً ..
فليعرف كل واحد منا قدره ولا يتقحم مكانة ليست له، بل ينافس من كان مثله فيما يحسنه فإن كان طالباً فينافس الطلاب وإن كان موظفاً فينافس الموظفين وإن كان رياضياً فينافس الرياضيين منافسة شريفة دون ظلمهم أو محاولة إقصائهم أو إيصال الضرر إليهم فالتنافس يخلق الإبداع ويحقق الإنجاز ويجوّد العمل .

ودمتم سالمين ..

أخوكم / د.نهار بن عبد الرحمن العتيبي 
يوم الأربعاء الموافق ١٤٤٤/١٠/١٣
مدينة الرياض