حوار صحيفة النهار السعودية مع الدكتور سعيد القرني
حاوره محمد سعيد الحارثي
اللغة العربية هي من أعظم اللغات على وجه الأرض وهي اللغة التي تحمل رسالة عالمية تبشر برسالة سماوية بدين فيه رحمة وعدل لا تفرقة ولاتمييزفيه منذ نزول الوحي بأمرالله عزوجل على نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام وهذه الرسالة المحمدية منذ أن إنبثق فجر الإسلام وهي تحمل بين طياتها دلالات عميقة عن هذه اللغة في قوله عزوجل ﴿ وَهَذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبينٌ ﴾ هذا من ناحية قدسية هذه اللغة أما من ناحية ما تواجهه اللغة العربية من تحديات عصفت بها فهذا مانعنيه في حوارنا من تغريب ومزاحمة اللغات لها في موطنها وأخص في ذلك اللغة الإنجليزية لأنها اللغة المهيمنة على العالم وكذلك عن حركة التعريب وعن ما إستجد من قضايا أثارت الجدل بين المختصين في اللغة العربية وعن الألية التي تعمل بها مجامع اللغة العربية وعن الأدوار المهمة التي قامت بها هذه المجامع في الحفاظ على هذه اللغة العظيمة وحمايتها فكل هذه القضايا والتحديات نناقشها مع شخصية معروفة متميزة وقامة علمية متخصصة في هذه اللغة والذي يتجسد فيه قول ابوالأسود الدؤلي في هذا البيت:
يا جامِعَ العِلمِ نِعمَ الذخرُ تَجمَعُهُ --- لا تَعدِلَنَّ بِهِ دُرّاً وَلا ذَهَبا
تلك الشخصية التي أخذت على عاتقها هذه اللغة لأجل رفعتها ونافحت ودافعت وناقشت في سبيلها الشيئ الكثير فضيفنا هو الدكتور سعيد بن محمد القرني والذي أستطيع أن اسميه المهموم بلغته لأنه نذر نفسه في هذا الشأن والدكتور سعيد ذو خلق رفيع وهو شخصية تنجذب إليها ويأنس الشخص بمجالستها لسعة معرفته وثقافته لفصاحة لسانه وحُسن بيانه ناهيك عن علمه والذي يعد أبرز القامات بعد جيل عمالقة اللغة العربية لدينا في وطننا مثل الدكتورحسن باجودة والدكتور محمد بن مريسي الحارثي والدكتورعبدالعزيزالمانع والدكتورعياد الثبيتي والدكتور محمود زيني وغيرها من الأسماء البارزة في علم اللغة العربية وله إسهامات جليلة بحثية ومعه نخبة من الأكاديميين المتميزين في اللغة العربية وهما الأستاذة الدكتوره حصّة الرّشود من جامعة أمّ القرى والأستاذ الدكتور أحمد كرّوم من المغرب الشقيق والذي درس بجامعة أمّ القرى و بجامعة ابن زهر بأغادير لإصدار مؤلف بعنوان: "التّفاعل بين الهوّيّة ولغة التّعليم" مشاركين في تأليفه وهو يعتبر من الإصدارات المهمة والقيّمة في علم اللغة العربية والذي يتضمن تشخيص حالة لغة التعليم في الوطن العربي في مراحلة المختلفة من هوّيّته اللسانيّة والإنسانيّة أما سيرته العلمية فهي سجل حافل ومشرف منذ أن كان فتى يافعا بقريته سبت العلاية الوادعة في ريف السراة الجميل ودرس فيها مراحل التعليم العام الثلاثة وإنتقل لمكه لكي يكمل تعليمه الجامعي بكلية اللغة العربية بجامعة أم القرى تلك الكلية التي تعتبرأحد أعرق كليات اللغة العربية في العالم العربي برموزها وطموح ضيفنا العلمي لم يتوقف بل إزداد شغفه بالعلم وفي هذه اللغة العظيمة فحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه من هذه الجامعة فأنكب حينها على التأليف والبحوث في محراب العلم وكان له حضوره اللافت في كل مناشط اللغة العربية من محاضرات ومؤتمرات وندوات فتجد له أيضاً حضور في وسائل الإعلام بنوعيه التقليدي والجديد إضافة لكونه عضو بمجمع اللغة العربية بمكة المكرمة وغيرها من اللجان المختصة في اللغة والثقافة فيسعد صحيفة النهاران تلتقي بالدكتور سعيد القرني في هذا الحوار الموسع والممتع والذي لبى دعوتنا مشكوراً
س١ دكتور سعيد هل تخشى على اللغة العربية من التغريب في موطنها لغة محكية وليس تدويناً فالقرآن الكريم أعظم حافظ لها؟ .
ج١ : تخشى بوادر المدّ الغربيّ اللسانيّ الإنجليزيّ بخاصّةٍ ؛ فالألسنة حالهنّ كحال البحار في صراعهنّ في التّعبير عن أغراض الإنسان يخضعنَ لعامل مدّ اللسان وجزره .
الاتّساع في إعمال الإنجليزيّة في محلّ العربيّة الإعرابيّ الإنسانيّ في ما نجريه من أعمالٍ مؤذنٌ بإزاحةٍ نفسيّةٍ ولسانيّةٍ في آنٍ .
س٢ هل تعتقد بأنّ هناك أجندةً خفيّةً تعمل على إضعاف هذه اللغة ولو أننا لانؤمن بهذه النظرية ولكن هناك من المختصين في اللغة من يميلون لهذا القول ؟ .
ج٢ : أجندة ( Agenda ) لفظٌ عربيٌّ معرَّبٌ عن الإنجليزيّة والفرنسيّة في آنٍ ذو أصلٍ لاتينيّ يعني " ما يلزم عمله " ، ويجمع على أجندات في العربيّة ، ومفرده في اللاتينيّة ( Agendus ) ، ويستعار للدّلالة على المفكّرة المتضمّنة ما يلزم عمله .
عالم اليوم تصطرع فيه الألسنة اصطراع النّاس وصراعهم ، وليس ذلك بخافٍ في الدّرس اللسانيّ ، وفي اتّساع دائرة التّعبير بلسانك الأمّ عن أغراض حياتك ومقاصدك تحقيقٌ لمقاصد كمال اتّصال ذاتك وصفتك ، والعكس بالعكس .
س٣ على ضوء ما حصل بمجمع القاهرة للحدث المستجد بشأن الموافقة بأغلبية من أعضاء المجمع على إقرار كلمة "ترند" الإنجليزية بالمعجم العربي مما أحدث ضجه من قبل الرافضين من بعض المختصين في اللغة العربية بالوطن العربي لهذا الإقرار والذي يعتبرونه قراراً متسرعاً وهذا يجعلني اطرح عليكم اسئلة متفرعة في هذا الصدد :
ماهو رأيكم في هذا الحدث المستجد على اللغة العربية؟ .
ج٣ : ليس ذلك بحدثٍ ولا حديثٍ مستجدّين في العربيّة ؛ فالعربيّة تعرّب الألفاظ الدّخيلة فيها من الألسنة الأُخَر بإخضاعها لنظام العربيّة الصّوتيّ والصّرفيّ ، وما فعله إخوتنا الثّقات في مجمع اللغة العربيّة في القاهرة فعله سلف هذه الأمّة في تعريب فِرِند السّيف ؛ أي : وميضه وجوهره في نقله من الفارسيّة إلى العربيّة ، وهو على صيغته ؛ فتعريب Trend على تِرِند ؛ بفتح تائه ورائه وسكون نونه ؛ للدّلالة على ما تصدّر من الاتّجاهات والأحداث وأخبارهنّ في وسائل التّواصل الاجتماعيّ المستجدّة – له نظيرٌ في ما تقدّم . وقد حادثت أخي السّابق بالفضل رئيس مجمع القاهرة في ملتقى الصّناعة المعجميّة بمجمع الملك سلمان (حفظه الله !) وفصّل الكلام في مقدّمات تعريب اللفظ وترجمته تفسير الرّاسخين في أعمال التّرجمة والتّعريب .
* ألا ترى بأن بيان المجمع اللغوي بالقاهرة في جلسته برئاسة أمينه العام سعادة الدكتور عبدالحميد مذكور محق حين ذكر بأن اللغة العربية دخلت عليها مفردات أجنبية مثل اليونانية والفارسية وهو عالم في علم الفلسفة التي ترتبط باللغويات ومجمع القاهرة له تاريخ عريق في الحفاظ على كينونة هذه اللغة وأعضائه فيهم من وصل لدرجة عالم باللغة العربية ؟ .
ج : لكلّ غريبٍ وحشةٌ ، ولكلّ داخلٍ دهشةٌ ، والنّاس أسارى الإلف ؛ فما ألفوه تداولوه ، وما أنكروه هجروه ، وجعلهم يألفون المعرَّب بحاجةٍ إلى قوّة جذبٍ وطردٍ مركزيّتين في آنٍ إعلاماً وتعليماً .
وقد سبق الجواب في ما تقدّم عن حسن صنيع مجمع القاهرة وسعة أفق أعضائه .
* لماذا لايكون هناك توحيد في الرأي للمجامع العربية حول هذا الشأن؟ .
اختلاف التّنوّع دالٌّ على اختلاف جهات النّظر إلى اللفظ الواحد باعتباراتٍ شتّى ، وعربيّة التّواضع قبل عربيّة الاصطلاح غنيّةٌ بتعدّد ألفاظها للمعنى الواحد من جهاتٍ شتّى ؛ فهؤلاء حجازيّون وهؤلاء بنو تميم ، وكلٌّ يعالج المعنى من جهته ، وما تعدّد أحرف التّلاوة للمتلوّ الواحد إلّا وجهٌ من وجوه سعة هذا اللسان تواضعاً واصطلاحاً .
وجرى علماء العربيّة على ما جرى عليه مستعملوها ؛ فالبصريّون يقولون : " جارّ ومجرور " ، والكوفيّون : " خافضٌ ومخفوضٌ " ، وكلٌّ أعنى بحاجته ؛ فالبصريّون يراعون التّركيب ، والكوفيّون يراعون الوظيفة الاستعماليّة ؛ فجلّهم من القرّاء والمحدّثين ، ولم يتنازعوا في التّسمية تنازع من تأخّر عن جهلٍ بحكمة المتقدّم .
س٤ بمناسبة المنجز الفريد من نوعه الذي قام به مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية بإخراج "معجم الرياض اللغوي" بهذه الحلة والذي يعتبر مفخرة من مفاخر اللغة العربية وبمزاياه المتعددة والذي يسهل على الباحثين والمثقفين والكُتاب والأدباء والطلاب الوصول للمعنى لكل لفظ بنظام إلكتروني سلس ويسير .
* ماذا تقولون عن هذه المناسبة بتدشين هذا المنجز للمجمع؟ .
ج٤ : شهد ملتقى الصّناعات المعجميّة تدشين هذا المعجم ، وقد أحسن المجمع باستقراء حال المجامع العربيّة من الأعمال المجمعيّة المعجميّة في سبيل أن يكون مجمع الملك سلمان مجمعاً للمجامع ؛ باعتبار أنّ بلادنا المملكة العربيّة السّعوديّة بلد العربيّة الأمّ ، وهي من سائر البلدان كالإمام من المأموم والنّواة من الخليّة ، وتصدّرها لصناعة معجمٍ حديثٍ جامعٍ مانعٍ تقتضيه مزيّتها اللسانيّة والإنسانيّة . ومعجم الرّياض دُشّن في سبيل استكماله مع حسن إعمالٍ لما استجدّ من تقنيّاتٍ وذكاءٍ آليّ اصطناعيّ يثري موادّ الألفاظ وصيغها وسياقات استعمالها التّاريخيّة والآنيّة.
س٥ هناك سؤال يتبادر لذهني بما أن هذه البلاد موطن اللغة العربية لماذا لايكون مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية مقرا لإتخاذ القرارات التي تعود بالنفع على اللغة العربية وحمايتها من حركة التغريب ولاسيما بأن هذه الدولة الرشيدة لديها نهج جميل وهو توحيد كلمة العرب في كل المحافل لما فيه خير لهم واعتقد بأن ذلك متفق عليه ؟ .
ج٥ : هذا المأمول الّذي أفصح عنه الملتقى ، وعسى أن يكون مع حسن رعايةٍ لثوابت اللسان العربيّ ومتغيّراته اللسانيّة والزّمكانيّة ! .
س٦ بماذا تتميز هذه اللغة عن غيرها من اللغات لاسيما أنها من شكلت ملامح هويتنا الثقافية بين الأمم؟
ج٦ : لا يجري عليها ما يجري على غيرها من الألسنة الّتي تولد وتشبّ وتكتهل وتموت ؛ فقد حفظها الله لساناً لدينه الكامل الإسلام ، ولا يليق بكمال هذا الدّين إلّا كمال هذا اللسان ، وكماله مستوفٍ لمستويات درسه الصّوتيّة والصّرفيّة والنّحويّة والدّلاليّة .
وقد أجاب عن سؤالك هذا المستشرقون ؛ فأفاضوا في الحديث عن جوالها وجمالها وكمالها ؛ فهذا المستشرق الأمريكيّ كرنيليوس فانديك يقول : " العربيّة أكثر لغات الأرض امتيازاً " ، وهذا المستشرق الفرنسيّ ريجي بلاشير يقول : " إنّ من أهمّ خصائص العربيّة قدرتها على التّعبير عن معانٍ ثانويّةٍ لا تعرف الشّعوب الغربيّة كيف تعبّر عنها " ، وغيرهما كثيرٌ .
وقد لقيت يوسف إستيس الأمريكيّ ابن تكساس الإنجليزيّ وراثةً واكتساباً في مكّة المكرّمة وسألته عن رؤيته ورأيه في منزلة العربيّة بنسبتها إلى الإنجليزيّة فقال : لسانٌ كاملٌ لأناسٍ غير كاملين كما أنّ الإسلام دينٌ كاملٌ لمسلمين غير كاملين .
س٧ اللغة العربية بعد الفتوحات الإسلامية لبلاد الأعاجم مثل فارس وبلاد السند حتى إلى عهد قريب كانت مزدهرة عند الأتراك إبان الدولة العثمانية ومما يذكره التاريخ بأن الفرس بعد الفتح أقبلوا على اللغة العربية وهجرو اللغة البهلوية وهي اللغة القومية لهم لأنها إرتبطت بأذهانهم بالديانة الزرادشتية الوثنية فهذا مايقودني لعدة تساؤلات وهي كالتالي:
* ما مدى تأثير اللغة العربية على هذه القوميات حتى إن العلماء الذين برعوا في بعض العلوم دُون إنتاجهم بالعربية؟
* وهل تعتقد بأن هذا التلاقح اللغوي أَثْرى اللغة العربية ؟
ج٧ : اتّخذ المسلمون غير العرب شرقاً وغرباً العربيّة ديناً ؛ فلا سبيل لمعرفة الإسلام إلّا بتعلّمها وتعليمها للعلم بكلام الشّارع الله ورسوله محمّدٍ (صلّى الله عليه وسلّم !) ؛ فأحاطوا بها إحاطة بشريّة ليحتاطوا لدينهم وصدق انتمائهم إليه ؛ فعرّبهم الإسلام فافتنّوا وأبدعوا في علوم العربيّة والإسلام وما يدور في فلكهما ، ووضعوا في ذلك التّصانيف والتّآليف ؛ فهذا سيبويه الفارسيّ صاحب أوّل كتابٍ في علوم العربيّة ، وهذا ابن جنّي الرّوميّ صاحب خصائص العربيّة وأسرار صناعة الإعراب ، وهؤلاء أصحاب الكتب السّتّة ، وكلّ أولئك الّذين صنّفوا بلسانٍ عربيّ مبينٍ في علوم العربيّة والإسلام والطّبّ والفلك والرّياضيّات وغيرهنّ . صدق انتمائهم لدينهم كان باعثاً لهم على نشر العربيّة في الآفاق ؛ فغرّبت وشرّقت وتلقّاها المسلمون تلقّي القرآن وعلوم السّنّة .
تقول المستشرقة الألمانيّة زيفر هونكة : " كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم جمال هذه اللغة ومنطقها السّليم وسحرها الفريد ؛ فجيران العرب أنفسهم في البلدان الّتي فتحوها سقطوا صرعى سحر تلك اللغة " ، وإنّ من البيان لسحراً سحر العربيّة الحلال .
كتبت ألسنة كثيرٍ من الشّعوب الّتي دخلت في الإسلام بالخطّ العربيّ ؛ لإنجازه وإعجازه ؛ قال المستشرق الإيطاليّ أندريو لوتي : " الخطّ العربيّ سيمفونيّة متناسقة الأنغام تتجدّد كلّما نظرت إليها ، وكذلك العربيّة عربيّة القرآن الّتي لا تبلى على كثرة الرّدّ .
س٨ قبل مايقارب الأربع سنوات كان لكم رأي بشأن تعريب اسم "سناب شات" إحدى منصات وسائل التواصل الإجتماعي ولكن خفت النقاش حوله من قبل المختصين باللغة ألا تعتقد بأن ذلك نتاج حضاري طبيعي لتفوق اللغة الإنجليزية كلغة علم ومخترعات كما كانت اللغة العربية مزدهرة علميا بمخترعات العرب والمسلمين وفرضت نفسها على الحضارة الغربية وهناك أمثلة كثيرة على التفوق العلمي للحالتين ومادون من أسماء عربية وكلمات في معاجمهم ومنذ النهضة الصناعية الأولى للغرب ؟ .
ج٨ : لم يأخذ الغرب ألفاظ العربيّة على صورتها العربيّة ، بل أهّلوها للسانهم وكيّفوها لبيئاتهم اللسانيّة والإنسانيّة فلم تبق الغَولات غولاتٍ بل صارت الكحول Alcohol ، ولم يأخذوا الخو من صدر الخوارزميّات كما هي ، بل قلبوها قلباً يناسب طبيعة إخراج أصوات ألسنتهم ؛ فقالوا : Algo بضاعتنا الّتي ردّت إلينا Logo ، وليُقس على ذلك كلّه ما لم يُقل ! . من جعل كلامه طعامه لم يطعمه ولم تذقه لسانه حتّى يمرئه ويستمرئه ويوقن أنّ جسمه قادرٌ على هضمه والانتفاع به في بناء أنسجته التّالفة وإنتاج طاقته الوجوديّة ، وما كثرة الدّخيل الّذي لم يهضمه لساننا ويفهمه إلّا وجهٌ من وجوه قصور الجهاز الهضميّ الفهميّ اللسانيّ العربيّ لعرب اليوم . ولو قيس على لغة الحاسوب أو الآلة اليوم لرأيت أنّ الحاسوب يحجم عن قراءة ما لا يخضع لصيغه اللغويّة ولا يستجيب لها .
والسّنبتة كانت ترجمةً وتعريباً فصّلت القول فيه في ما أصدرته جامعة أمّ القرى في حينه ؛ استجابةً لطلب أمير العربيّة الأمير خالد الفيصل حين ضاق ذرعاً بكثرة الدّخيل من ألفاظ الإنجليزيّة الّتي لم تُعرَّب ، فليُنظر ثمّة ، وقد نشرته وسائل التّواصل حتّى صار ترنداً (ثريداً) يطعمه النّاس ، وقد سرّني توظيفه وتداوله في بعض المراكز العلميّة .
* لماذا نتشدد في عملية التعريب وخصوصا مع أسماء المخترعات؟
الجواب عنه يستدعي الحديث عن أسماء النّاس بين لسانٍ ولسانٍ ؛ فاسمي عند العرب سعيد ، وعند الغرب Saeed بقلب العين همزةً ؛ لأنّ الإنجليزيّة لسانٌ فمويّ شفويّ لا يطوع بالعين الحلقيّة ، واختلاف الألسنة مخارج وصفات ودلالات آية من آيات الله اللائي لا يتخلّفن ولا يخضعن لأهواء أولي الأهواء .
والتّسمية علمٌ قائمٌ برأسه سامه كلّ مفلسٍ من أسسه وآدابه ومبادئه .
التّسمية منحةٌ وأمانةٌ فضّل الله بها آدم على من سواه وما سواه من خلقه ؛ فكيف نتحجّر واسعاً من آيات الله في التّسمية وقد وسّع الله علينا قدرةً وكفاءةً وإنجازاً ؟! .
الإنجليز يسمّون الحاسوب Computer ؛ رعايةً لأوليّة عمله الحسابيّة وأوّليّة صنعه عندهم ، ويسمّيه الألمان Ordinator منسّقاً أو رتّابةً ؛ لعنايتهم بالتّنسيق والتّرتيب ، وكلٌّ بحاجته أعنى على أنّهما لسانان جيرمانيّان ينتميان إلى فصيلٍ لغويّ واحدٍ ؛ فهلّا فعلنا فعلهم في صدق انتماء كلّ منهم للسانه ! .
س٩ لدينا مبادرة لوزارة الثقافة لإشاعة اللغة العربية بمقاهي تحضير القهوة وفق خطة عمل وتضم نخبة من المتخصصين في اللغتين الإنجليزية والعربية وذلك لما لاحضناه ولمسناه بأن أغلب مرتادي المقاهي يتخاطبون بلغة هجينة مابين العربية والإنجليزية وهم من فئة الشباب للجنسين إضافة لأسماء المشروبات الساخنة الأجنبية هل تعتقد بأن هذه المبادرة لوطبقت يكون لها أثر توعوي بأهمية تعزيز هويتنا الثقافية من خلال لغتنا في موطنها ؟ .
ج٩ : إعمال المقاهي عمل الأندية الثّقافية فيه مراجعة أصولٍ منسيّة متروكة كان للقهوة والمقاهي فيها وظيفةٌ مركزيّة في نشر الثّقافة وتواصل العلماء والأدباء ، وقد فصّلت في ذلك بتتبّعٍ تاريخيّ لخطّهما الزّمنيّ عربيّاً وغربيّاً في اللقاء الّذي عقده مقهى مادلين في العوالي بمكّة (حرسها الله !) ، ولعلّه يكون لقاءٌ آخر يفصّل ما أجمل ويوضّح ما أبهم من كلّ ما تقدّم ! .
*س ١٠ : الإصدار الأوّل لمركز التّميّز البحثي بجامعة الملك عبدالعزيز بجدّة تضمّن كتاب فريقكم البحثيّ برئاستكم " التّفاعل بين الهوّيّة ولغة التّعليم في الوطن العربيّ " : حدّثنا عن ذلك الإصدار ! .
ج ١٠ : جامعة المؤسّس جامعة الملك عبدالعزيز الّتي كانت حاضنتي الأولى في كلّيّة الطّبّ قبل أن تتّجه بوصلة التّعلّم منها إلى جامعة أمّ القرى - جامعة متميّزة علماً وإجراءً ، وقد تميّز مركزها البحثيّ اللغويّ في اختيار مجالات البحث الأولى في ترتيب أولويّاته البحثيّة ، وكانت الهوّيّة اللسانيّة مجالاً أوّليّاً أولويّاً للبحث العلميّ اللغويّ .
عقدنا العزم فريقنا البحثيّ أ.د. أحمد كرّوم (جامعة أمّ القرى وجامعة ابن زهر في أغادير المغرب) ، و أ.د. حصّة الرّشود (جامعة أمّ القرى) على اتّخاذ التّفاعل بين الهوّيّة ولغة التّعليم في الوطن العربيّ موضوعاً للمشروع الّذي صار كتاباً مستعينين بالله أوّلاً على رصد وجوه ذلك التّفاعل من وجوهٍ شتّى ، ثمّ بمصادر عربيّة وأخرى غربيّة ؛ لتشخيص حال لغة التّعليم في الوطن العربيّ في مراحله المختلفة من هوّيّته اللسانيّة والإنسانيّة ؛ انتهى فيه الفريق إلى نتائج وتوصياتٍ تعين الباحثين والمركز على تشخيص تلك الحال وعلاجها .
وغير خافٍ عليكم مهدّدات صدق الهوّيّة اللغويّة الدّاخليّ والخارجيّ في عصر تدافع الهوّيّات وصراعهنّ لسانيّاً وإنسانيّاً ؛ فأجرى المركز هذا الاتّجاه البحثيّ قياماً بوظيفته المركزيّة في رصد تلك المشتّتات .
في نهاية حوارنا معكم دكتور سعيد هل من كلمة اخيرة بحق هذه اللغة العظيمة التي تواجه فيه تحديات جسيمة من أجل أن تبقى شامخة ؟ .
العربيّة لساننا الأمّ الّذي آثرنا الله بها على من سوانا ؛ فلا يرينّنا الله إلّا محسنين لها وبها زرافاتٍ ووحداناً ! .
كلمة منكم لهذه الصحيفة الوليدة والتي يولي رئيس تحريرها الأستاذ عبدالله الكناني الجانب الثقافي اهتمامه . !
العرب تسمّي الأشياء ؛ لغايةٍ ترجوها ، ولكلّ مسمّى من اسمه نصيبٌ ؛ فسمّيته يحيى ؛ ليحيا ، " وما سمّي الإنسان إلّا لنسيه ولا القلب إلّا أنّه يتقلّب " ؛ فلعلّ صحيفة النّهار تكون نهاراً يجلو عن العيون غشاوتها ؛ فنرى فيها وبها ما تقرّ به الأعين من سديد الموادّ النّافعة الرّافعة الّتي تمكّن لوظيفتها الّتي أنشئت من أجلها ؛ فالله يرعاكم ويسدّد على طريق الخير خطاكم ! .