الكاتب : النهار
التاريخ: ١٦ نوفمبر-٢٠٢٥       4070

نوره محمد بابعير  - النهار

تتقدم الثقافة اليوم لتصبح ركيزة أساسية في صياغة الوعي وتعزيز مسارات التطور، وقد امتد هذا المفهوم ليشمل الحرف التراثية بوصفها حقلاً معرفياً يُعاد تقديمه بمنهجية عميقة تتجاوز حدود الممارسة التقليدية.

ويأتي  معرض بنان  للحرف التراثية ليبرهن على هذا التحول، حيث يعرض الهوية الثقافية عبر سرد منظم يجمع بين البحث والتوثيق والإبداع في الطرح، مقدماً للحرفة قيمتها باعتبارها ذاكرة حضارية متكاملة.

في أروقة المعرض، تبرز الحِرف كمساحات معرفية غنية، تُروى تفاصيلها بدقة تعكس تاريخها وأدواتها ودلالاتها.

فالحرفة هنا ليست مجرد مهارة تُنقل عبر الأجيال، بل مادة ثقافية تُعرض بطريقة علمية، تُظهر مسار تطورها وتفسّر المصطلحات المرتبطة بها وتكشف رموزها.

هذه المقاربة جعلت الزائر أمام تجربة لا تقتصر على المشاهدة، بل تمتد إلى فهم الخلفيات الثقافية والمفاهيم المتجذرة في كل ممارسة حرفية، وهو ما يعزز حضور المعرض كمنصة معرفية تتناغم مع متطلبات المرحلة الحالية.

وقد اتسعت دائرة المعرض هذا العام لتشمل البعد الدولي من خلال استضافة جمهورية الصين ضيفة شرف، الأمر الذي أتاح مساحة ثرية للتبادل الثقافي بين البلدين.

فقد قدمت الصين نماذج لحرفها التقليدية التي تحمل تاريخاً عريقاً وتجارب راسخة في الحفاظ على التراث، مما أضفى بعداً جديداً على الحضور الثقافي داخل المعرض.

هذا التفاعل فتح نافذة أوسع لفهم متبادل بين الثقافتين السعودية والصينية، وساهم في إثراء المعرض بمعارف جديدة تعكس عمق العلاقة بين التراث الإنساني والحاضر المتجدد.

ويكشف  معرض بنان  من خلال تنوع مشاركاته أنّ المعارض الثقافية لم تعد مجرد مواقع للعرض، بل فضاءات تحكي القصص التاريخية للدول وتبرز إبداع الأيدي الحرفية التي تجسد هوية كل مجتمع.

فكل قطعة تُعرض تحمل حكاية، وكل حرفة تمتلك معرفة تمتد جذورها إلى الماضي، لكنها تُطرح اليوم برؤية معاصرة تستوعب تغيرات الزمن.

وهكذا يتحول المعرض إلى فضاء يجمع ثقافات متعددة، ويرسخ مفهوم أن وراء كل حرفة إرثاً ثقافياً يستحق أن يُعرض ويُصان ويُقدّم بأسلوب يليق بعمقه وأصالته