الكاتب : النهار
التاريخ: ٠٧ نوفمبر-٢٠٢٥       2035

بقلم  - حذامى محجوب

في الثالث من سبتمبر الماضي، لم يكن العرض العسكري المهيب الذي أشرف عليه شي جين بينغ مجرد احتفال بذكرى وطنية ، بل كان إعلانا مدروسا عن حضور الصين في مشهد دولي مضطرب. 

فالعرض الذي أبهر الداخل وأربك الخارج لم يكن استعراضا للأسلحة بقدر ما كان استعراضاً للثقة ، ورسالة مزدوجة المعنى : طمأنة للداخل القَلِق ، وتحذيرٌ للعالم بأن بكين لم تعد مجرد قوة صاعدة ، بل قطب يعيد تشكيل ميزان القوى العالمي على طريقته .

على المنصة الرسمية، اصطفّت ثلاثة وجوه تُجسّد تحدي المنظومة الغربية : شي جين بينغ، فلاديمير بوتين، وكيم جونغ أون .

 لم تكن تلك الصورة التي غزت الشاشات مجرّد لقطة بروتوكولية ، بل إعلاناً رمزيّا عن محور جديد يتشكل على أنقاض الأحادية الأمريكية . 

محورٌ يُعيد تعريف مفاهيم القوة والسيادة ، ويطرح نظاما دولياً متعدّد الأقطاب ، مغايرا لما رسمته واشنطن منذ نهاية الحرب الباردة.

 قبل هذا المشهد المعبّر، كانت قمة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين قد منحت شي جين بينغ فرصة لتقديم رؤيته لحوكمة عالمية بديلة ، تُفضّل " الاستقرار مقابل الانفتاح " ، في مواجهة النموذج الغربي الذي يترنّح تحت وطأة تناقضاته الداخلية. 

  لم تعد بكين تكتفي بدور المنافس الاقتصادي، بل تقدّم نفسها اليوم كقوة فكرية وسياسية تقود الجنوب العالمي، مستفيدة من اهتزاز الثقة في التحالفات الغربية وتراجع الحضور الأمريكي.

لكن خلف بريق العروض العسكرية وحفاوة القمم الدولية ، تتوارى أزمة داخلية أشد خطرا من أي خصومة خارجية . 

  فالصين، التي كانت تُبهر العالم بنموها المتسارع ، تواجه اليوم تباطؤا اقتصاديا مقلقا ، وتراجعا في الاستهلاك الداخلي، وارتفاعا في بطالة الشباب ، إلى جانب أزمة عقارية خانقة تهدد ركائز النمو وتُرهق الحكومات المحلية .

 ومع ذلك، يبقى التحدي الديموغرافي هو الأشد خطورة ، لأنه لا يُواجه بالسلاح ولا يُحلّ بالعقود . 

الإمبراطورية التي كانت تُفاخر بمليارٍ وأربعمائة مليون نسمة، تجد نفسها اليوم أمام انكماش سكاني وشيخوخةٍ متسارعة ، تهدد محركات اقتصادها وقاعدتها الإنتاجية. 

وبرغم التقدّم في مجال الروبوتات والذكاء الاصطناعي ، فإن الآلة لا تُنجب أجيالا ، ولا تخلق توازنا اجتماعيا جديدا يحافظ على استمرارية الدولة .

هكذا تبدو الصين اليوم على مفترق طرق تاريخي : قوة عسكرية تُثير رهبة خصومها ، واقتصاد صناعي يُربك الأسواق ، لكن هشاشة الداخل تُقلق صانعي القرار أكثر من تهديدات الخارج. 

وإذا كانت واشنطن تراهن على إنهاك بكين من خلال الحصار التكنولوجي والاقتصادي ، فإن الرهان الحقيقي يبقى في قدرة الصين على ترميم بيتها الداخلي دون أن تفقد شهيتها للمجد الإمبراطوري .

ما يجري في بكين يتجاوز حدود آسيا، لأنه يُجسّد ملامح نظام دولي جديد قيد التشكل . 

 ففي المسافة الفاصلة بين استعراض القوة وقلق الديموغرافيا ، تسير الصين على حبلٍ مشدودٍ بين المجد والمأزق، بين الحلم الإمبراطوري وعبء المستقبل .